“أصل الحكاية” يتربع على عرش مهرجان لبنان للمسرح #لبنان

 

تمثل مسرحية “أصل الحكاية”، التي قدّمتها مجموعة كهربا ضمن مهرجان لبنان الوطني للمسرح، تجربة مختلفة للمشاهدين، إذ تجمع بين الأداء المسرحي والرقص والموسيقى والنحت وفن التحريك، الأمر الذي توّجها أفضل عمل مسرحي في الدورة الثانية من المهرجان.

بيروت- فاز عرض “أصل الحكاية” بجائزة أفضل عمل مسرحي في الدورة الثانية من مهرجان لبنان الوطني للمسرح والتي أسدل الستار عليها، مساء السبت، بالعاصمة بيروت، كما انتزع جائزة أفضل إخراج للثنائي أورليان زوقي وإريك دينيو.

والمسرحية التي عرضت سابقا في مهرجانات عربية وأجنبية تعود بالمشاهد إلى الحكايات الشعبية والأساطير والخرافات باحثة عن أصل التكوين بين الحضارات المختلفة وتبحث في فكرة تكوين الإنسان يوم كان يستخدم يديه ليعبّر قبل أن يتكلم ويحاكي اللغات.

ويبني المؤديان أورليان زوقي وإريك دينيو على جدران ثلاثة منتصبة وسط المسرح حياة كاملة بتفاصيلها النحتية التشكيلية ثم يمحونها، ثم يبنون حياة أخرى ويعيدون المحو من البداية حتى يأتي الطوفان.

وهما ينحتان الأشياء والطبيعة بشجرها وحيواناتها ويبنيان مدنا وينشئان صحاري وشواطئ ويبتكران شخصيات تسافر وتبحر، لها وجوه وعيون وأجساد تتحرك وكأنها ستنطق، ثم يراقصان الشخصيات قليلا ويتحدثان معها بلغات غير مفهومة، لكن المُشاهد يشعر بها ويتفاعل معها مندهشا بقوة الأداء الذي يستحضر المفهوم الحسي لحضور الإنسان على الأرض. وكأن الممثلين يعيشان في عالم آخر يتمثل في ورشة تشكيل يعيدان فيها تكوين العالم بطريقة مبتكرة ومسلية وممتعة للناظر إليها.

والعمل ينتمي إلى مسرح ما بعد الدراما، ويقوم على التأويل، إذ يفتح الباب أمام المتلقي للمتعة البصرية والتأمل ويطرح عليه تساؤلات عن فكرتين متوازيتين لأصل التكوين هما الطين والإنسان.

ويولي المؤديان اليدين رمزية بالغة في العرض، إذ أن المسرحية أقرب إلى العمل اليدوي والحرفي منه إلى المسرح الكلاسيكي. وكان مفاجئا استخدام اللوح الذي يمثل الجدار الخلفي للورشة، نظرا لرمزيته أيضا في الحضارات القديمة التي كانت تروي تاريخها وإنجازاتها وتدوّن حكمها ومقالاتها ورسومها على الجدران.

فالجدار هنا وثيقة، يرسم عليها المؤديان ما يكمل مشهد النحت والموسيقى والأداء، يكتبان الشعر أو يخططان كلمات عربية لها وقع على الجمهور، كما فعلا عندما كتبا “ثورتنا حب”، في إشارة إلى الثورة اللبنانية.

عرض ينتمي إلى مسرح ما بعد الدراما، ويقوم على التأويل

وعلى مدى 50 دقيقة على مسرح المدينة في بيروت تنوعت الإيقاعات وخطوط الدراماتورجيا في “أصل الحكاية”، في تناغم سلس بين المؤديين وبين الموسيقى اللافتة التي ألفها إيمانويل الزوقي خصيصا للمسرحية.

وقد كانت لافتة ومؤثرة الموسيقى التي سجلها إيمانويل خلال رحلاته إلى منغوليا وفيتنام وبيرو وأفريقيا والشرق الأدنى والكثير من البلدان، والتي تنقل روح الطبيعة العذراء خصوصا في تلاؤمها مع روح العرض.

وحصل عرض “المعلقتان” للمخرجة لينا عسران على جوائز أفضل سينوغرافيا، وأفضل تأليف، وأفضل تأليف موسيقي ومؤثرات صوتية.

وفاز فؤاد يمين بجائزة أفضل ممثل عن دوره في عرض “الشاطر فؤاد”، بينما فازت أنجو ريحان بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في عرض “مجدرة حمرا”. وفاز عامر فياض بجائزة أفضل دور ثان عن عرض “ما شاء”، فيما فازت زميلته بيرلا حنا بجائزة أفضل ممثلة في دور ثان عن العرض ذاته.

وأقيم ختام المهرجان وتوزيع الجوائز على مسرح المدينة وسط حضور جماهيري لافت، وأحيت المغنية حنين أبوشقرا سهرة الختام بباقة من الأغاني الطربية لزكي ناصيف وفيروز وعبدالحليم حافظ وأسمهان وصباح.

وتنافست على جوائز المهرجان الذي نظمته وزارة الثقافة اللبنانية بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح ستة عروض محلية وصلت إلى المرحلة النهائية من بين 15 عرضا. وتشكلت لجنة التحكيم برئاسة الممثل بطرس روحانا وعضوية الشاعر والإعلامي زاهي وهبي والمخرجة لينا خوري والمخرج ناجي صوراتي والممثلة ندى أبوفرحات.

العرض المتوج ينتمي إلى مسرح ما بعد الدراما، ويقوم على التأويل، إذ يفتح الباب أمام المتلقي للمتعة البصرية وطرح الأسئلة

وقال مدير عام وزارة الثقافة اللبنانية ورئيس المهرجان علي الصمد “التحدي الأساسي للمهرجان الذي لم يكن ليعقد لولا إصرار المسرحيين، هو الزلزال السياسي والاقتصادي الذي حل على لبنان وأجّج التحركات الشعبية، ففي ظل ظروف صعبة تأجلت غالبية الفعاليات الثقافية إن لم نقل كلها، ونحن كنا أمام خيارين؛ إما إلغاء المهرجان أو تأجيله”.

وأضاف “فاجأنا الجمهور الذي لم نتوقع حضوره بهذه الكثافة، إذ بلغ عدد الحاضرين حوالي خمسة آلاف شخص، وهو رقم من الصعب حشده في المسرح، لكن الجمهور اللبناني الذي يقدّم إبداعاته في الشارع اليوم احتجاجا على الأوضاع مطالبا بحقوقه يؤكد أنه جمهور مثقف وواع”.

ويرى الصمد أن المهرجان خلق ديناميكية في الوسط المسرحي، الأمر الذي يخلق تحديا بين العاملين في المسرح ليعطوا أفضل ما عندهم. وأقيمت الدورة الأولى من مهرجان لبنان الوطني للمسرح في 2018، وكان مقررا تنظيم الدورة الثانية في نوفمبر الماضي، قبل أن تتأجل إلى فبراير الحالي بسبب الأوضاع السياسية والاحتجاجات الشعبية.

وقال فؤاد يمين الحائز على جائزة أفضل ممثل “المسرحيون في لبنان يعملون من منطلق الشغف بهذا الفن غير المدعوم رسميا، فأغلبنا يخرجون ويمثلون ويكتبون نصوصا ليس من أجل المال ولا الشهرة بل لأن الخشبة هي روحهم”.

https://alarab.co.uk/

شاهد أيضاً

جوائز النسخة الثانية من مهرجان لبنان الوطني للمسرح – بيروت