أشارك في أيام قرطاج المسرحية وفي مدرسة الممثل الفاضل الجعايبي /حاورتها: رحاب المازني

التقيتها بفضاء المركز الوطني لفن العرائس بصدد مواكبة عرض مسرحي يندرج ضمن تظاهرة «العرض الأول»، امرأة بروح طفلة في تعاملها مع الأطفال هناك.. لقد كانت تتأنى في الاستماع إلى ملاحظاتهم ونقاشاتهم بعد العرض … كما كانت تسجل براءة أسئلتهم في دفترها.. هي الفنانة المسرحية الأردنية أسماء مصطفى المقيمة حديثا في تونس.
إلتقيتها في حوار مطوّل تحدثت خلاله عن تجربتها الطويلة في ميدان المسرح وتفاصيل مشاركتها في تظاهرة أيام قرطاج المسرحية في دورتها الجديدة بالإضافة إلى حديثها عن مرحلة جديدة أكدت أنها ستطور تجربتها وهي مدرسة الممثل المسرحي الفاضل الجعايبي.
أسماء مصطفى ذكرت أيضا أن أجمل الأدوار تلك التي لم تلعبها بعد فهي ممثلة طموحة، تعشق المسرح وتحلم بالسينما.. أكثر تفاصيل تجدونها خلال الحوار التالي:
لو تقدّمين تجربتك المسرحية إلى القراء وأنت الفنانة القادمة من الأردن المقيمة حديثا في تونس…
في الحقيقة من الصّعب أن يقدم الفنان نفسه .. فأنا لا أحبذ كثيرا الحديث عن تجاربي وأفضل أن يشاهدني الجمهور على الركح.. أنا ببساطة امرأة أردنية .. عشقت المسرح وتحلم بالسينما… منذ طفولتي كانت بداياتي المسرحية الهاوية قد انطلقت من المدرسة ومن ثم صرت ممثلة محترفة أعمل في ميدان الفن الرابع بروح الهواية.. فخلال سنة 1993 كانت أول تجربة مسرحية لي خصّصتها للطفل باشراف أستاذي القدير سليم الجزائري. فبمسرح السّتين مقعدا في عمّان قدمت مسرحية بعنوان «السّاحر» رغم أنني في الأصل خريجة أزياء وديكور لكنني دخلت إلى هذا العالم السحري من باب الدوبلاج والتلفزة والإذاعة حيث اكتشفت موهبتي على خشبة المسرح..وعلى امتداد مسيرتي شاركت أيضا بأدوار بطولة في أشرطة سينمائية وأعمال درامية تلفزية.
أنا أكنّ للمسرح محبة كبيرة لأنه غيّر «أسماء» إلى الأفضل طبعا حيث أصبحت  أقرأ كثيرا وأشاهد تجارب مسرحية متنوعة كما أنني لم أغادر ساحة الطفل حيث اشتغلت فيها كممثلة ومخرجة وصاحبة مشروع.
لقد تطورت تجربتي فقد أطلقت مبادرة موجهة للطفل سميتها «ضحك ولعب ومسرح» وذلك بعد أن عشت تجربة الأمومة وتحملت المسؤولية تجاه فئة مجتمعية ذات خصوصية كبيرة وهي الأطفال.
بصدق لم يأخذني مسرح الكبار فلازلت أقدم أعمالي المسرحية بروح الطفلة التي تلعب بداخلي الى درجة أنني صرت أفكر فيما يريده الطفل مني.
منذ سنة 1993 الى سنة 2016 وأنا أشتغل على المسرح بشكل متواصل حيث أخذ الفن الرابع من وقتي وجهدي وفكري وطاقتي الكثير فتنوعت بذلك التجارب وخضت تجربة الإخراج بعد خمس عشرة سنة من الاحتراف حيث قدمت سنة 2009 مسرحية للاطفال وفي سنة 2010 أخرجت أيضا مسرحية للكهول بعنوان «سليمة» عن محمود درويش والحلاج.
كيف تحوّلت الى ممثلة: هل هي صدفة أم اختيار؟
لقد صرت ممثلة بالصدفة.. فأنا لم أقرر أن أصبح ممثلة ولكن ميادين عملي كانت قريبة من هذا العالم فاكتشفت أن بداخلي فنانة موهوبة… لقد كنا ونحن صغار نلعب على خشبة المسرح حيث كان المربّون يأخذوننا الى النشاط الفني في المدرسة وكنت أفضل هذه المواد على المواد العلمية. في تلك الفترة كانت بداخلي فنانة لم تكتشف أدواتها بعد ولم تتضح.. فقد كنت أراقب المسرح قبل أن أدخله كمهنة أو حرفة… وفي السياق نفسه أنا لا أحبذ التقسيم في هذا الميدان بين الهواية والاحتراف.. فالممثل لابدّ أن يمتلك كلّ ذلك…
ما هي أسباب تواجدك في تونس؟ وكيف تقيّمين التجربة المسرحية فيها؟
أنا في تونس، لأنّ التجربة المسرحية في هذا البلد تستهويني وتعجبني… باختزال يعجبني تكوين الممثل التونسي والمخرج والكاتب أيضا… يعجبني السينوغرا في وكل المشاركين في اللعبة المسرحية التونسية الذين يشتغلون بروح واحدة خاصّة وأن المسرح فعل جماعي في الحقيقة. التجربة التونسية تحمل فكرا ورمزية فالجمهور عند متابعتها يغادر قلقا وغير مطمئن… فالتجارب التونسية التي تابعتها كانت للعديد من المسرحيين الكبار والشباب أيضا من بينهم الراحل عز الدين قنون وتوفيق الجبالي والفاضل الجعايبي ووليد الدعسيني والشاذلي العرفاوي.
أذكر أيضا أن الكثير من الممثلين التونسيين جعلوني معجبة  بالمسرح التونسي من بينهم ليلى طوبال وتوفيق العايب وجليلة بكار. فعندما أشاهد مسرحية في هذا البلد أجد  نفسي متيقظة لأن الممثل قادر على أن يشارك الجمهور ويأخذه الى عالمه وهذه هي مكامن السحر في  التجربة المسرحية التونسية. وأضيف أن كل الحواس تعمل عند متابعة هذه النوعية من المسرح فالعقل والبصر والسمع كلها بصدد الإشتغال اثناء العرض وبعد انتهائه تنطلق مرحلة اخرى نسميها  «وعي ما بعد العرض» يتجلى من خلال التفكير بعمق في مقاصد العمل المسرحي… ومن بين الأعمال التي جعلتني أعمل العقل في حيثياتها مسرحية «جنون» و«الحب في الخريف» و«كلام الليل» وغيرها التي تساعد المتلقي على أخذ القرار وأول القرارات المهمة هي قطع تذكرة لمتابعة مسرحية عكس التلفزيون الذي يدخل البيوت دون تأشيرة… المسرح فعل يوميّ والتجربة المسرحية التونسية أصبحت مغرية بالنسبة الى الممثّل حتى أن من أحبّ منهم النجاح في هذا الميدان يعزز تجربته بالتكوين في تونس…
من جانب آخر تعجبني التجربة المسرحية التونسية لتنوع مدارسها وأذكر من بينها الرمزية والجسد والسيرك والتفاعل وكلها كانت وليدة انفتاح على تجارب الغرب في المسرح وهو ما أثمر أيضا تأسيس العديد من المهرجانات الدولية الكبرى مثل تظاهرة أيام قرطاج المسرحية.
ما يشدّني أيضا في التجربة التونسية الكتابة الركحية والاشتغال على الدراماتورجيا والارتجال والورشات التكوينية والتربصات المفيدة للممثل فبالاضافة الى أن المعاهد المسرحية قوية تتعزز الفرص أمام الممثل من خلال الورشات لمساعدته على التطور.
تجاربي الأولى كانت محدودة لكنها حينئذ كانت مهمة… لقد كان هناك روح وجسد آنذاك ولم يكن هناك عقل… لكن اليوم أخذت التجربة تتطور وتنضج فكريا وجسديا.. فكلما شاهدنا كثيرا من الأعمال المسرحية واطلعنا على ثقافة الآخر وسافرنا وجربنا الا وتقدمنا بنجاح في هذا الميدان خاصة وأنه لابد أن يكون للفن الرابع مختبر مثلما هو الشأن في ميدان العلوم وهي مساحة متاحة للممثل والمخرج كي يجرّب…
باختصار لقد تركت بلدي وابنتي بهدف التعلم فأنا بحاجة الى التجريب في منطقة أخرى… أتعلم هنا وأعود لأعلّم بدوري ما تلقيته.
وماذا عن مشاركتك في تظاهرة أيام قرطاج المسرحية؟ هل لديك مشروع واضح ستشتغلين عليه؟
لقد دعيت للمشاركة في فعاليات الدورة الجديدة لأيّام قرطاج المسرحية حيث سأقدم مجموعة من الورشات في المناطق المهمشة والأقل حظا من خلال مشروع كنت قد تحدثت عنه سابقا وهو «ضحك ولعب ومسرح» ويرتكز بالأساس على التفاعل وهنا أعتبر أن الطفل مشاهد غير عادي….
وفي السياق نفسه أذكر أنني كنت قد قدمت نفس المشروع في تونس سنة 2010 في مهرجان سوسة للمسرح لأول مرة بعد أن قدمته في الأردن وقد اشتغلت على أطفال الشوارع تحت شعار «حقي وحقك وين؟» يهدف الى مكافحة ظاهرة الانقطاع عن الدراسة وتشغيل الأطفال في ظل غياب الأمان في المنزل. من خلال هذه التجربة يكون الطفل في هذه الورشة مشاركا في اللعبة المسرحية لاثبات ذاته وأنا لاحظت أن للطفل التونسي وعيا كبيرا بما يدور حوله.. وعي بوجوده وبأهمية المسرح وذلك لإلزامية تدريس المواد الفنية في التعليم الابتدائي وهو ما أكسبه ثقافة سمعية وبصرية… سأقدم أيضا ورشات في الاصلاحيات كما سأشارك ذوي الإحتياجات الخصوصية هذا المشروع.. فأينما تكمن الإشكاليات أتحرك وأبادر بتسليط الضوء على أهمها مثل العزوف عن القراءة والعنف وكيفية التعامل مع الممتلكات العامة… ببساطة بالنسبة إلي أينما يكون هناك طفل يكون هناك مسرح ولذلك قمت بتبسيط ديكور أعمالي المسرحية دون ان أقع في الاستسهال كما كنت أحمل هذا الديكور في حقيبتي وأتجول في الأماكن التي يوجد فيها الأطفال وأهمها تلك المناطق المهمشة لأن الطفل هناك حقه مهضوم في مشاهدة المسرح رغم أن هذه العوالم تشده أكثر من غيرها فالطفل بحاجة إلى ممثل يدهشه….
وبالنسبة إلى تظاهرة أيام قرطاج المسرحية لم تتم بعد برمجة الأماكن التي سأقدم فيها الورشات لكنني متشوقة لاختبار مشروعي في تونس مع مناخ مختلف ورؤية مختلفة ومتلق مختلف..
علمنا أنه تم قبولك للمشاركة في مدرسة الممثل المسرحي الفاضل الجعايبي. هل أنت في حاجة الى تكوين؟ ولماذا هذا الإختيار؟
دائما لدى كل ممثل نموذج يتكون من خلال المشاهدات وكما ذكرت تعجبني تجارب مسرحية تونسية كثيرة من بين روادها عز الدين قنون ورجاء بن عمّار وتوفيق الجبالي والفاضل الجزيري ومحمد ادريس.. فكل هؤلاء المخرجين حددوا مسار عملهم وتوجهاتهم.. ولكن المسرحي الفاضل الجعايبي اختلف عنهم والاختلاف متمثل في حلمه المتواصل بتأسيس مدرسة الممثل… وهذا الحلم يناسبني لأنني مؤمنة بأهمية تكوين الممثل بعيدا عن الأكاديميات فهي تعزز تجربته وتجعله في ممارسة متواصلة للفعل المسرحي.. أنا دائمة البحث… عن الورشات لتحقيق الاضافة باعتبار ان الممثل في حاجة إلى مخرج يجدد ما بداخله ويبحث في أعماقه وهذه ميزة المسرحي القدير الفاضل الجعايبي…
لقد تم قبولي في مدرسته وقد أسعدني ذلك كثيرا فأنا دائمة التساؤل عن المراحل القادمة لأجيب ان أجمل الادوار تلك التي لم ألعبها بعد..
وجودي في تونس وفي مدرسة الجعايبي فرصة هامة لاختبار ذاتي وجسدي وفكري مع مخرج متمكّن له خبرة طويلة من المؤكد أنها ستفيدني كثيرا…

المصدر/ اليوم

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *