أحديث خرافة ؟! – د.يوسف عايدابي

.png

     إذا تأكد لنا جميعاً أن المسرح قضية عضوية بالنسبة للثقافة العربية الرسمية أو المدنية إلى حدود ما، فلسوف يكون من المأمول أن تُحرك الجهود المسرحية التي تبذلها الهيئة العربية للمسرح الحياة الثقافية المتروكة على هامش المجتمعات العربية، تلك الثقافة غير الحاضرة في المركز الذي يعج بأعاصير العولمة وبما لا يلزم في النسيج الاجتماعي العربي المُشتت، فهي عولمة لا يدع إعلامها للثقافة إلا الطرف المهمل.

ولكن يحق لأهل المسرح أن يتطلعوا إلى صلات وثيقة بمجتمعاتهم العريضة من المتعطشين لمشاهدة بعض نماذج من معاناة العربي أو بعض تطلعاته معالجةً على خشبة المسرح أو متفاعلة مع المتفرجين في الميادين أو الشوارع أو الساحات العامة، فليس المسرح فقط إنتاج القاعات المغلقة لفئة محدودة، فالعالم العربي في غالبه لم يعرف المسرح إلا لقاءً حياً بين الناس في المقاهي وليالي الأُنس والسمر والمجالس والأسواق والشوارع وحتى الحارات، بل وفي كل أماكن التجمعات للأفراح أو الأتراح أو التظاهرات والتجمهرات.. إلخ.

العالم العربي عرف المسرح الحي غير المدون المكتوب بادئ ذي بدء، عرفه بلغة الناس وفعلاً بين الناس وبواسطتهم مع الذين برعوا بالفطرة في الحكي من المسامرة، وبرعوا في المساجلات وفنون الإضحاك إمعاناً في التلذذ بصعاب العيش. تعلم العرب التشخيص من حركة إيقاع لغتهم وحياتهم وسبل عيشهم، فلقد أضرهم أرسطو كثيراً بمسرحه المدون المكتوب الذي خطف الكلام والقول من أفواههم وقلّص حركتهم وإيماءتهم وتعابير أجسادهم وأهازيجهم، فذهب بإيقاعهم النابع من إيقاع لغتهم وحياتهم وتعابيرهم الحية، بل ومن سحناتهم وأرواحهم إلى غيهب المكتوب المسطور (القدري)، بعد أن كان مسرحهم حياً في يومهم وليلهم، في غدوهم ورواحهم، فلماذا نظل في تبعيةٍ ومحاكاة بلا معنى لصيغة لا تشبهنا؟ لماذا لا نُفكر ونعيد البصر فيما ورثناه مقارنةً بما صدّروه من الغرب إلينا لندرك أن إيقاعنا ليس إيقاعهم، وحركتنا ليست إعادة لحركاتهم.

بل لنتساءل: كيف لنا أن نخضع أرواحنا وأنفسنا وأجسادنا إلى مركزية أوروبية مغايرة؟ فلتنظر كل نفس مسرحية في بلداننا العربية في جوهر وجودها وكيف تفصح عنه مسرحياً؟ سنجد أن ما هو لنا غير ما هو للآخر. إذاً فلنجوّد ما عندنا في حيزنا وبخصوصياتنا نحن لا بمحاكاة الآخر الذي ما قد يسحره لا يسحرنا. انظروا كيف ذهب الياباني مذهبه، وكيف ذهب الصيني مذهبه، وكيف ذهب الهندي مذهبه، بل وكيف ذهب الإفريقي مذهبه، حتى عاد المسرحي الأوروبي فأخذ عنهم ما عزّز به النسيج المسرحي الإنساني. فهل علينا الوقوف حتى تأتينا الأشكال المسرحية والصيغ، أم نتحول إلى السحرة من القدامى إلى الجُدد الذين لا يجاريهم في فنونهم من الآخر إلا أهل الكوميديا المرتجلة الإيطالية.

يا أهل المسرح هل نظل نحن السابلة، نؤمن بخرافة ولّى زمانها؟!

د.يوسف عيدابي – السودان

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش