أبو الفنون يعاني الفقر ودوره غير فاعل في مسرح الطفولة والعرائس …  تماضر غانم: أدافع عن نفسي باعتباري ممثلة مسرح أطفال… لأن صدقي منهم وجهدي أبذله كي يصل إحساسي إليهم

سوسن صيداوي – الوطن 
 
اللعب.. هو تلك الآليّة التي يصوغها الطفل في أجوائه المتنوعة والمرتبطة بنشاطاته لينطلق عبر عفويته الفطرية لإدراك ذاته الخاصة، وذوات الآخرين المحيطين في بيئته، فمن اللعب تتراكم التجارب والمهارات أو الخبرات، وخاصة أن من خلاله يكون هناك محاولات تقليد أو تقمص شخصيات مع ظهور تعبيرات انفعالية أو سلوكيات عاطفية يعبّر من خلالها عن حياته الحقيقية الفعلية. هذه الأمور كلّها كانت من الأسباب التي تنبّهت لها الحضارات كي تتابع في تطور مجتمعاتها، على اعتبار أن الطفل هو ركيزة المستقبل ومنه هو بالذات ينطلق البناء، فتنوعت المسارح بتنوع الحضارات الشرقية والغربية، ومع اختلافها اختلفت الشخصيات والقصص والحكايات التي يُحييها مسرح الأطفال أو تجسدها عرائس مسرح الدمى. وحول الكثير من القضايا التي تشغل مسرح الطفولة ومسرح العرائس كان لنا اللقاء مع الممثلة المسرحية تماضر غانم التي تفتخر بكونها ممثلة مسرحية للأطفال، لأن هذا المسرح بوابة الصدق والعبور إلى حقيقة قلوب الآخرين. بدأت مسيرتها المسرحية منذ عام 1996، متدربة على يد سعد الدين بقدونس، كما تدربت في مسرح العرائس في قسم الدمى والتصنيع، وبقيت فيه نحو أربع سنوات، بعدها توظفت في المسرح العسكري كي تلبي حاجاتها اليومية ومازلت تمثل فيه إلى حد الآن، ولم تتابع دراستها في المعهد العالي للفنون المسرحية لظروف خاصة، لكنها اتجهت نحو نقابة الفنانين فهي عضو فيها منذ عام 2003، وفي الوقت الحالي عضو مجلس إدارة ورئيس مكتب العلاقات العامة.
 
مسرح العرائس هو الأصعب
لقي مسرح الدمى والعرائس في تطوره التاريخي، ترحيبا كبيراً في الغرب والشرق على حد سواء. في حين، يلقى التعثر والمطبات في عالمنا العربي، بسبب عدم اهتمامنا بتربية أطفالنا منذ الصغر وتعويدهم على ثقافة الفنون بأنواعها من رسم تشكيلي ونحت إلى الموسيقا والمسرح والسينما، هذا بعكس الآخرين الذين تنبّهوا إلى ضرورة هذا المسرح وأخذوا يسعون بكل جهدهم إلى تطوير آليته وتنفيذ العروض وتقديمها للأطفال، ولكن لنبقى في سورية الوطن، وحول كيفية تقديم العروض المسرحية في مسرح العرائس تحدثت الممثلة تماضر غانم قائلة «مسرح العرائس هو من أصعب المسارح، وإذا كان الممثل يحب هذا المسرح سيستمتع كثيراً، لأنه سيتعلم من خلاله كيفية تصنيع الدمى وحتى تحريكها، ويقوم بنقل حسّه إلى الدمية التي يمثل خلالها في المسرح، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك توجهاً ومطالبة بأن يكون لاعب العرائس هو الممثل نفسه، فالواقع فرض أن يكون هناك شخصان، هما اللاعب والممثل، والاثنان مختلفان عن بعضهما، فالممثل يسجل صوته في الاستديو، واللاعب هو الذي يحرك اللعبة على المسرح. وبالنسبة لي منذ البداية كنت ممثلة ولاعبة عرائس، حيث نقوم بتسجيل المسرحية في الاستديو وهنا يكون اهتمامنا كبيراً في الأداء الصوتي، وأثناء المسرحية يبقى علينا تحريك الدمية، وبالطبع كلامي هذا لا يقلل من أهمية دور اللاعب، لأن عليه أن يقوم بفهم المسرحية كلّها وحفظ النص، ويحرك الدمية بأيديها وأقدامها وحتى في عيونها وفمها، وهنا دائماً أتذكر كلام المخرجة سلوى الجابري التي كانت تقول لنا: إنها تريد أن ينسى الطفل بأن أمامه دمية، وبالفعل بعد انتهاء العرض عندما كنا نخرج لنحيّي الجمهور، كان الأطفال يندهشون لوجودنا خلف الدمى لأنهم نسوا بأن خلف الدمية هناك شخص، وهذا هو الأمر الصعب في مسرح العرائس لأن على الممثل أن يصل إلى ما يمكنه التعبير عنه بوحدة حال بين الممثل والدمية».
 
مسرح الطفولة
الأصدق والأصعب
حذار أن تستخف بطفل أو أن تعتبر إقناعه أمراً سهلاً، فرغم أنه كائن صغير، الاستهانة بذكائه وبقدرة إدراكه والتقاطه لما يجول حوله من أمور هو أمر جد خطير، لهذا الوقوف أمامه على خشبة المسرح ليس بالأمر الهين، على عكس ما يشاع حول مسرح الأطفال أو مسرح العرائس من استخفاف، وللمزيد حول هذين المسرحين تحدثنا الممثلة غانم عن تجربتها قائلة «أدافع عن نفسي دائما، باعتباري ممثلة مسرح أطفال، فأنا آخذ صدقي من الطفل، وأبذل جل جهدي في عملي كي يصل إحساسي إليه، فهو أكثر إدراكاً للأمور من الكبار، وعلى خشبة المسرح الأمر ليس سهلا أن نوصل الأفكار والمشاعر إليهم. إذاً على الممثل وبالعموم أن يكون صادقاً مع نفسه أولاً كي يستطيع أن يعتلي خشبة مسرح الأطفال ويقف أمامهم. وهنا أسعى دائماً كي أطور نفسي من خلال قراءاتي لعلم نفس الأطفال وكتب الأدب والحكايات المخصصة لهم، ومتابعاتي للأعمال الكرتونية وبرامجهم، واندماجي الدائم بهم، فقضاء الوقت معهم يضيف إلى الممثل الكثير من الحركات والتصرفات الطفولية، التي يمكن استغلالها وتوظيفها في المسرحية. وبالفعل هناك شريحة كبيرة من الممثلين الذين يستخفون ويستسهلون مسرح الأطفال ودمى العرائس، لكن كما ذكرت فإن إيصال الفكرة إلى الطفل هو من أكثر الأمور تعقيدا. وبالنسبة للأعمال المسرحية التي شاركت بها فهي متنوعة بين مسرح الطفولة والعرائس وهي على سبيل الذكر:ضيف الدب، بياع العسل، الملك شرحبيل والفتى النبيل، سلمى والغيلان، ممتاز يا بطل، الوردة البرية، رحلة الأصدقاء الستة، حيلة أرنوب ضد ثعلوب».
 
المسرح البنّاء يحتاج إلى البناء
 
حجر الأساس في البناء هو الأهم للثبات والتحمّل مهما طال الزمن، وكيف إذا كان البناء والتأسيس المقصود به تربية الطفل وتنميته، باعتباره كما قلنا ركيزة أساسية للمستقبل، وبالنسبة لنا المشكلة قائمة في عالمنا العربي، وهي إغفال أهمية دور مسرح الأطفال ودمى العرائس في تنشئة الطفل وتوسيع مداركه الحسية والتعليمية، ومساعدته على تطوير شخصيته واكتساب المهارات، وإطلاق خياله الإيجابي، ليس هذا فقط بل تقديم نصح أخلاقية وإنسانية تمكنه من التعايش والاندماج دائماً في المجتمع مهما اختلفت الظروف أو الأشخاص من حوله، كل هذا ضمن جو تمثيلي يحرك المشاعر وينعش فكر الأذهان. وحول ما يعانيه مسرحنا من صعوبات ومطبات، إضافة إلى أمور أخرى جد مهمة تسلّط عليها الضوء الممثلة تماضر غانم قائلة: «يتطلب هذا المسرح من الممثل أن تكون مخارج حروفه واضحة وصحيحة، وكذلك لا يجوز للممثل أن يرتجل بأي كلام مشين، أو غير مؤدب، أو أن ينعت الممثلين معه في المسرحية وتحت أي ظرف بأي صفة سيئة، ولو على سبيل المزاح، أو أن يقوم بأي إشارة غير أخلاقية، لأن مسرح الطفولة ومسرح العرائس هو مسرح تعليمي تربوي، إذاً هذا الأمر يتطلب منا تركيزاً عالياً وجهداً كبيراً كي لا تفلت منا أي كلمة. هناك الكثير من الصعوبات التي تواجهنا وأهمها رغم أهمية هذا المسرح، فقره الكبير، فالأجور ضعيفة جداً لا يمكن مقارنتها بالتعب والجهد والمبذول، وهو من أحد الأسباب التي تبعد العديد من الفنانين عن الالتحاق به، هذا بالإضافة إلى أنه مظلوم إعلامياً، فمثلاً آخر عمل اشتغلته على مسرح العرائس في عام 2015، وعندما قمت بدعوة أصدقائي من فنانين وإعلاميين كي يحضروا العرض، كان الكل يضحك ويستخف ويقول لي «لما يكون عندك عرض للكبار إبقي خبرينا»، ليس هذا فقط، الأمر الذي يفاجئني حتى من الأهالي، أنهم يعلمون أطفالهم دروسهم وغيرها من أمور باستخدامهم الدمى، وبتشكيل الدمى عن طريق الأقلام والأوراق الملونة، وما أستغربه هنا أنهم يهملون مسرح العرائس ولا يحضرون أطفالهم إليه، فالجمهور يكون بتنظيم حضوره عبر المدارس، رغم أن وزارة الثقافة مهتمة جداً إلا أن التعاون بين المديريات ليس بالمستوى المطلوب، فالمراكز الثقافية يجب تفعليها لتعمل في هذا المجال بشكل أكبر، وخاصة لأن لدينا رصيداً مسرحياً كبيراً، وما تهتم به المراكز هو الشعر والكتب والفن التشكيلي، إذاً لماذا لا يتبنى المركز الثقافي العروض التي نقدمها على خشبة مسرح القباني بدلاً من إهمالها؟ ولماذا لا يتم تفعيل هذه العروض عبر المراكز الثقافية بالمحافظات أو حتى نستغل حديقة تشرين الكائنة في دمشق، في الصيف والربيع لعرض المسرحيات؟ أتمنى أن تكون هناك خطوات جادة من المؤسسات المعنية وأن توسع شبكة التعاون بينها، كي لا يبقى مسرح الطفولة مهملاً أو يبقى مسرح العرائس منسياً وقائماً بمساع وجهود شبه فردية».
———————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *