كواليس: المسرح البورجوازي ومسرح (البوليفاو) ما المقصود بهما؟!

أبسط ترجمة له باللغة الأنكليزية (Commercial Theatre) وباللغة العربية (المسرح التجاري). وسمي كذلك إشارة إلى تلك المؤسسات الباريسية للمدة من 1890 إلى 1914 والتي كانت خارج نفوذ سلطة الدولة والتي طوّرت أنواعاً خاصة من المسرحيات التي اجتذبت طبقة معينة من المتفرجين. تم منح رخصٍ محدودة لإنشاء مؤسسات جديدة منحت الحرية الكاملة تحت حكم نابليون الثالث. وإمتازت العديد من المسارح الجديدة بوفرة أوقات الفراغ للطبقة المتوسطة التي راحت تملؤها بالذهاب إلى المسارح مما وفر للعروض المسرحية مبالغ طائلة.
أما المسرح البورجوازي فهو ظاهرة ثقافية برزت عند ظهور الطبقة البورجوازية في أوروبا في القرن الثامن عشر. وتعرف الفلسفة الماركسية مصطلح (البورجوازية) كونه (الملاك الشرعيين لرأس المال والمنظمين للتجارة والصناعة والمتحكمين بالدولة الذين حلوا محل الأرسطقراطيين الذين كانوا يتحكمون بوسائل الانتاج). وراحت الطبقة البورجوازية في أوروبا تدعم الانتاج المسرحي الذي لاقى رواجاً ودعماً من فئات اجتماعية أوسع وخصوصاً من أبناء الطبقة المتوسطة على اختلاف أنواعهم ومن المحترفين إلى الكهنوتيين والتقنيين وعمال الخدمات. وبواسطة تنسيق تنحررها الديموقراطي راحت مسارح البورجوازية تتحدى النظام المطلق للطبقة الأرسطقراطية. وبالضد من الكلاسيكية الفرنسية الجديدة وتركيزها على الحبكة وعلى الوحدات الثلاث والشؤون المأساوية للشخصيات الملكية، فقد أخذت الدراما البورجوازية تؤكد على التشخيص – اي اظهار صفات الشخصيات الرئيسة غير الأرستقراطية والكشف عن السلوك المدني الفاضل وخصوصاً محاسن وطنية الطبقة الوسطى. ومعالجة مسائل خاصة تثير تعاطف المتفرج وجذبه والتحرك نحو الأبهام بالواقع وعلى سبيل المثال استخدام النثر بدلاً من الشعر في كتابة المسرحية.
في عام 1757 ، وعد (ديدرو) وهو الناطق بأسم كتاب الدراما الجديدة، إلى ايجاد جنس درامي يحتضن الكوميديا الجادة التي تشمل فضائل وواجبات الأنسان، والمأساة البورجوازية التي تتعامل مع سوء الطالع المنزلي. وكان من مصادر إلهامه مسرحية ليلو (تاجر لندن) وأحداثها التي تدور حول رجل أعمال شاب يقوم بسرقة أموال من أجل أرضاء إحدى البغايا ويحكم عليه بالأعدام. تراعي أفكار المسرح البورجوازية مع العنصر المثير للشفقة الذي يذكر التعبير الذاتي والحساسية كمصدر للحقيقة في حين تعزيز التعاطف يبرز ما هو مشترك لدى البشر بغض النظر عن مراتبهم. إن طرق تعزيز الاستهلاك العاطفي للمشاهِد وهو يشاهد الشخصية الدرامية على المسرح تتكشف تدريجياً ما يؤدي إلى إزاحة المتفرجين من الطبقة العليا وابتكار فكرة رفع الجدار الرابع واطفاء اضواء صالة المتفرجين والتركيز على ما يحدث على خشبة المسرح والتحول من ظاهرة التمسرح إلى العرض الواقعي وقد تم تفسيرها على إنها تراجعاً عما هو عمومي إلى عالم خاص لتدوين شفرات بورجوازية للتمدن وهناك كشف آخر لتلك الشفرات نجده في أبنية المسارح للقرن التاسع عشر حيث هناك مقدمة لمقاعد المتفرجين في الطابق الأرضي، والديكور المفخم الذي يجبر المتفرجين على أن يكونوا منضبطين وهادئين. وفي القرن التاسع عشر أصبح المسرح البورجوازي قوة محافظة بشكل متصاعد وبينما جذبت الميلودراما جمهوراً واسعاً من الطبقة العاملة وبقى التحكم في ارتياد المسرح بيد الطبقة البورجوازية.
وقف العديد من المسرحيين الطليعيين والمطبقين الملتزمين سياسياً في القرن العشرين بالضد من المسرح البورجوازي ، فقد عارض الرمزيون والتعبيريون الاتجاهات الوضعية للواقعية لصالح التجريدية الذاتية وثارت مسارح القسوة ضد الانضباط الجسدي لكل من الممثل والمتفرج المتحضرين. وراحت تشكيلات الجناح اليساري مثل (المسرح التحريضي) تتحدى البنى المتكيّفة كهنوتيا “وسلعياً” للمؤسسات التجارية وعلى أية حال فأن القليل من تلك المشاريع قد حررت نفسها من تأثير القوى الرأسمالية البورجوازية وكانت أعمال بريخت وبيسكاتور الملحمية والمضادة للمسرح البورجوازي ضمن التيار الرئيس هي الأمثلة على ذلك. وحيث أن المسرح الغربي قد أتصف وبشكل متزايد بالنخبوية في الشكل والمضمون وثم أضاف المسرح البورجوازي باحتواءه على أحداث تهيمن عليها الأساليب الرأسمالية وعلاقات الأنتاج أكثر من النوعيات الخاصة بالدراما والعرض المسرحي. وهو وصف يدل على المؤسسات الثقافية المملوكة للبورجوازيين وهم الذين يديرونها ويتحكمون بها وهم الذين يقررون شفراتها وقيمها.

سامي عبد الحميد
http://almadapaper.net/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *