قلق الهوية في المسرح الناطق بالأمازيغية – أزراج عمر #الجزائر

منذ الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية، ومن ثم كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في الجزائر انطلقت مساعي الفنانين والكتاب الأمازيغ الجزائريين من أجل تطوير مختلف أشكال التعبير الثقافي والفني الأمازيغي وفي مقدمتها المسرح، ولا يعني هذا أن هذا الشكل من التعبير الفني ليست له جذور تاريخية ضاربة في القدم بل إن بعض مؤرخي الثقافة الأمازيغية الجزائريين يرون أن أمازيغ المنطقة المغاربية قد عرفوا المسرح منذ عهود الرومان والقرطاجنيين. هنا في هذا المقال نظرة على المسرح الأمازيغي ونشأته قديما وتجليات نشاطه حاليا.

لو عدنا إلى الماضي البعيد، فإن هناك من يذهب إلى القول إن الملك الأمازيغي يوبا الثاني المولود في نهايات القرن الأخير لما قبل الميلاد، والذي تزوج من كليوباترا سيليني ابنة ملكة مصر كليوباترا وأنجبت له العالم والمفكر والرياضي الشهير بطليموس، قد ألّف كتابا عن تاريخ المسرح مما يعني أن فكرة المسرح كفن لم تكن غائبة عن الأمازيغ. ولكن هذا الكتاب غير متوفر كنص قائم بذاته ولا توجد مراجع موثوق بها تتضمن مقتطفات منه على الأقل.

رغم هذه الإشارة وغيرها إلى قدم المسرح الأمازيغي فإن الاستعمار المتعدد الذي عرفته المنطقة المغاربية قد ساهم في تهميش هذا الشكل الفني بالجزائر بشكل خاص، وأدى ذلك إلى تعطيل الثقافة الأمازيغية بشكل عام.

انبعاث ثقافي

في بدايات مرحلة الاستقلال الوطني الجزائري بدأ المسرح باللغة الأمازيغية يظهر هنا وهناك رويدا رويدا رغم الحصار الذي ضربه في ذلك الوقت النظام الجزائري على الهوية الثقافية الأمازيغية، وبرز أكثر بعد انفجار ما يسمى بالربيع البربري (الأمازيغي) الذي أعاد الثقافة واللغة الأمازيغيتين إلى الفضاء السياسي والاجتماعي بقوة.

ولقد تمخضت عن مرحلة التعددية الحزبية التي بدأت تتشكل بدءا من ثمانينات القرن الماضي في الجزائر جمعيات ثقافية باللغة العربية وأخرى بالأمازيغية، وهي في الغالب تابعة للمجتمع المدني في طوره الأوّلي البسيط.

ومن الواضح أنه في ظل تلك المرحلة قد تشكلت في الأرياف وفي المدن مجموعات وفرق مسرحية، الأمر الذي وفّر مناخا إيجابيا جزئيا للنشاط المسرحي الأمازيغي في الجزائر رغم مختلف أشكال العراقيل التي وضعت أمام المسرحيين الأمازيغ في الماضي القريب. في هذا السياق قال المخرج المسرحي الجزائري عمر فطموش في حواره مع سارة بوعياد إن “المسرح الأمازيغي ولد من رحم الألم، وصار مسرح المواجهة بعدما كانت بداياته لا تخلو من عنصر الاحتفالية الذي يمكن أن ندرجه في ما نسميه بالنشاط المسرحي”، و”انتقل بعدها المسرح الأمازيغي الذي كان يكسوه نمط الفلكلورية والتراث المقحم في الديكور ومناقشة قضايا تواجه السلطة مباشرة، نحو الاحترافية بعيدا عن الشعارات إلى مناقشة القضايا الكبرى”.

هل اللغة وحدها من يحدد هوية انتماء النص المسرحي أم أن مضمونه يلعب دورا أيضا في تحديد الانتماء إلى هذه الهوية أو تلك

وفي الواقع، فإن مفهوم المسرح الأمازيغي في الجزائر لا ينفصل عن الانشغال بمحددات الهوية الثقافية الجزائرية الكلية، ومكانة الهوية الأمازيغية. وعلى ضوء هذا نجد بعض نقاد المسرح في الجزائر، يدعون إلى التمييز بين المسرح الأمازيغي وبين المسرح الناطق باللغة الأمازيغية، ومن بين هؤلاء الدارس مفتاح مخلوف. غير أن هذا التمييز الذي يدعو إليه هذا الدارس يحتاج فعلا إلى تدقيق وتمحيص بقصد إزالة اللبس عنه.

وفي الواقع فإن هذا الدارس ليس وحده المهموم بقضية هوية المسرح الأمازيغي، بل هناك عدد متزايد من الدارسين والدارسات والإعلاميين والإعلاميات المتخصصين في متابعة تطورات المهرجانات المسرحية الوطنية، ومنها مهرجانات المسرح الناطق باللغة الأمازيغية.

الدارسة أسماء حمبلي، مثلا، ناقشت في الصحافة الجزائرية بعد الهوية في المسرح الناطق بالأمازيغة وبلورت فرضية مفادها أن اللغة الأمازيغية “استطاعت أن تخرج من كونها لغة يتمّ تداولها في الحياة اليومية فقط إلى لغة إبداع، بما في ذلك المسرح على اعتبار أنه أبو الفنون، فالأمازيغية استطاعت أن تدخل هذا الفن خاصة في الفترة الأخيرة التي أصبحنا نشاهد فيها عددا مهما من الأعمال المسرحية بهذه اللغة، ما مكنها من أن تظهر خصوصيتها”.

تمازج الهويتين

تمسك بالجذور

أما الإعلامية س. أم الخير فترى أن “مشاركة الفرق القبائلية بعروض مسرحية متميزة باللغة الأمازيغية أمر يعكس بشدة إلحاح هذه الفئة من الفنانين الجزائريين على نضالاتها المستميتة للحفاظ على هوية المنطقة سواء في المحافل الوطنية أو الدولية. لكن ماذا عن حاجز اللغة الذي ينهار أمام هيبة أب الفنون ويُخرس مخارج النطق أمام تعابير الإيحاء الفني والحركات الجمالية؟”، ثم تستنتج فترى أن تحمل “مشقة ترجمة النصوص المقتبسة من الأدب العالمي إلى اللغة الأمازيغية هي رغبة من الأمازيغ في فرض لغتهم كلغة عالمية وليست لغة وطنية رسمية فحسب”.

وفي هذا الخصوص ينبغي طرح السؤال التالي: هل اللغة وحدها من يحدد هوية انتماء النص المسرحي أم أن مضمونه يلعب دورا أيضا في تحديد الانتماء إلى هذه الهوية أو تلك؟ ظاهريا يبدو أن المقصود بالمسرح الأمازيغي هو تلك المسرحيات الناطقة بالأمازيغية، ولكن هناك من يرى أن المسرحيات الناطقة بالعربية قد تكون أمازيغية الهوية، لأن مبدعيها قد يكونون من الأمازيغ الذين فضلوا استخدام اللغة العربية من دون أن يقضي هذا الاستعمال للغة العربية الدارجة أو الفصحى على الحساسية الأمازيغية، أو على المضامين ذات الطابع الأمازيغي. هذا من جهة ومن جهة أخرى قد تكون مضامين هذه المسرحيات الناطقة بالعربية معبرة عن قواسم الهوية الوطنية الجزائرية الكلية والمشتركة التي تتناصّ فيها عناصر البعد العربي مع البعد الأمازيغي، المترابطين حينا والمتوازيين أو المتجاورين حينا آخر. وفي هذا السياق يبرز السؤال عما إذا كان اختلاف اللغة (لأمازيغية أو العربية) في مجتمع له نسيج مختلط ومتنوع ومتبادل التأثير هو الذي يحدّد سلفا هوية انتماء هذه المسرحية إلى البعد الأمازيغي المحض أو إلى البعد العربي المحض؟

ولا شك أن الباحثة روزلين ليلى قريش قد أثارت حين صدور كتابها “القصة الشعبية الجزائرية ذات الأصل العربي” قضية سجالية باقتفائها تأثير التراث السردي الشعبي العربي في نسيج السرديات الشعبية، بما في ذلك سرديات الفولكلور الأمازيغي، ولكنها لم تبحث في تأثير السرديات الأمازيغية في القصة الشعبية العربية.

أزراج عمر

( العرب )

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش