في عرض البحر’ مسرحية سورية عن أوقات كارثية / نضال قوشحة

          • لم يكن الكاتب البولوني سلافومير مروجيك على علاقة هادئة مع سلطات بلاده، وهو الذي عاصر فترة الحرب العالمية الثانية، وشهد المنعطفات السياسية التي كونتها، مروجيك، عارض بقوة الفكر الشيوعي الذي حكم في بلاده وكل أوروبا الشرقية حينها، وكان ضد تدخل السوفييت وحلف وارسو في تشيكوسلوفاكيا أثناء أحداث براغ الشهيرة، وهذا ما عرّضه للنفي والملاحقة.

          كان الكاتب البولوني سلافومير مروجيك (1930-2013)، مهندسا معماريا وقاصا ورسام كاريكاتير، لكن شهرته الأكبر كانت في المسرح الذي ألّف فيه الكثير من المسرحيات التي تتقاطع مع مسرح اللامعقول، كونها تهتم بإيصال فكرة محدّدة ولو على حساب المنطق والسائد، وشخوصه غالبا أناس مأزومون، يواجهون لحظات كبيرة من التحدي ويبحثون عن طريق للوصول إلى حل.

          وللكاتب الراحل وجود سابق في الفضاء الإبداعي السوري، من خلال العديد من المسرحيات والأفلام التي نفّذت عن أعماله، فسبق وأن قدّمت على مسرح مدينة الحسكة السورية مسرحيته “في أعالي البحر” عام 2008 للمخرج سطام دحام، وكذلك قدّمت مسرحية “المهاجران”، إخراج سامر عمران، والتي حظيت بنجاح كبير حينها، فحوّلها المخرج السينمائي محمد عبدالعزيز إلى فيلم سينمائي حمل العنوان ذاته.

          والمسرحية نفسها “في أعالي البحر” وفي ظل الظروف السياسية والاجتماعية الحاصلة الآن في سوريا، تُقدّم مُجدّدا عبر جهود مجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث قدّمت المسرحية في قلب المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وعلى مسرح سعدالله ونوس، تحت عنوان “في عمق البحر” في ختام ورشة عمل مسرحية من ضمن نشاطاته.

          جيانا عيد: الشباب في المسرحية لم يتوقفوا عن العمل، رغم ظروف سوريا الاستثنائية

          وفي العرض عوالم غرائبية، تضع مجموعة من الأشخاص وعددهم ثلاثة، في مواجهة لحظة كارثية، فهم على متن قارب في أعالي البحر، ونفذت كل المؤن التي ستمنحهم حياة أطول، لذلك كان لا بد من إيجاد حل مناسب يضمن النجاة. وهنا تكمن لحظة الحسم في المسرحية، فالمأساة وكذلك السخرية يكمنان في حل واحد والذي وصل إليه هؤلاء وهو أكل واحد منهم، وبالطبع سيكون الأضعف، وكأنّ الكاتب يريد أن يقول بأن الإنسان القوي، يأكل الضعيف، وإن هذا الضعيف مسخّر تماما لخدمة القوي، حتى لو كان طعاما له.

          بهذه القسوة والعبثية، يقدّم أبطال العرض: وسيم قزق ومجد فضة والفرزدق ديوب وياسر سلمون، في إعداد سينوغرافي لإبراهيم جمعة وإخراج لمجد فضة، ما يقارب الساعتين من الفعل الدرامي المتصاعد والمتباين بين لحظات قوة وضعف، ألم وسخرية، قلق وأمل، على خلفية مكان واحد بأفق مشهدي واحد، هو البحر، بما يحمله من تموجات وانكسارات ومد وجزر.

          والعرض بما احتواه من ملاح فنية كالديكور والملابس وطبيعية الشخوص وحتى الأحداث، قدّم ما يتوافق مع الخط الذي عرف به كاتب المسرحية الأصلية، والذي لا يقدّم عادة ما يمكن تسميته بالحالة الكلاسيكية في بنية نصوصه المسرحية، معتمدا على إيجاد منظومة من الارتكازات الدرامية في تصاعد لمسارات الأحداث التي يصل بها إلى تحقيق أهداف العمل ورؤاه.

          وعن العرض بيّنت جيانا عيد، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، “طاقات الشباب هذه، يجب الاهتمام بها، وهي التي لم تقف أبدا عن العمل رغم الظروف الاستثنائية التي يعيشها الوطن، ونحن بالمعهد وفّرنا لتلك الطاقات الظروف المناسبة، كان من أحد هذه المشاريع مسرحية ‘في عرض البحر’، التي شاهدها الجمهور وتفاعل معها، والمعهد معني بتقديم أفكار خريجيه وطرح رؤاهم السياسية عن الواقع الذي يعيشون فيه والمخاطر التي تحيط بوطنهم، وبالتالي طرح أفكار أحلامهم وطموحاتهم الفنية التي يرغبون في الوصول إليها”.

          شاهد أيضاً

          نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

             

          اترك تعليقاً

          لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *