عالم مايكرو” مسرحية تعاين أخطار العالم الافتراضي

نشر : محمد سامي موقع الخشبة

تتناول مسرحية “عالم مايكرو”، التي أخرجها وصفي الطويل وكتبت نصها هيا صالح ، مشكلة الاستعمال المفرط للعالم الافتراضي وكيفية تأثيره على حياة الناس بجعلهم محاصرين ومقيدين داخل عالم افتراضي لا يستطيعون الخروج منه، عالم محسوس غير ملموس، عالم يأخذ مستخدميه من واقع إلى حلم، ويحولهم إلى شخصيات تستخدم الأزرار بدلاً من الأفواه للخطابة، وبذلك فإنّ الأطفال الذين هم أكبر عرضة لأخطار عالم الأجهزة الإلكترونية والذكية يتحولون بفعل هذا العالم إلى شخصيات محنطة جسدياً ومبعدة فكرياً غايتها الأكبر أن تستمر في هذا العالم، الذي أبعدهم عن الطبيعة والحياة الجميلة إلى حياة يعتقدون في البداية أنها جميلة ولكنّها سرعان ما تصبح قبيحة.

وتدور أحداث المسرحية، التي تشارك في مهرجان مسرح الطفل الثالث عشر وتعرض مساء اليوم، حول طفلين يقضيان جميع الأوقات داخل المنزل للتسلية باستخدام الهواتف الذكية و أجهزة الألعاب الإلكترونية، وبذلك يدفعهم هذا الفعل إلى البعد عن العالم الخارجي والأصدقاء وعن الخروج من المنزل، مما يحولهم إلى سجناء في زنزانة العالم الافتراضي، حيث أيديهم مكبلة بالقيود ولا تجيد غير استخدام أزرار الأجهزة الإلكترونية فقط.

هذا الفعل دفع “خالتهم” إلى اصطحابهم في نزهة قصيرة ليروا جمال العالم الواقعي، ويتم ذلك بنكهة كوميديا باتفاق الخالة مع أصدقائها، إذ تخبر ذوي الطفلين اللذين يظنون أنهما يقدمون السعادة عن طريق شراء المزيد من الأجهزة الإلكترونية لهم، دون علمهم أنهم قد تتحول حياتهم إلى روتين قاتل يؤدي بهم إلى الهلاك. وبعد استدعاء الشرطة للتحقيق بأمر اختفاء الطفلين نكتشف في نهاية الأمر أنّ الطفلين كانا في بيت الخالة يلعبان في كوخ صغير ومن شدة فرحهم في العالم الواقعي أكثر من العالم الافتراضي استمرا باللعب حد التعب ، كما نكتشف أنّ الشرطة ورئيسة جمعية حماية الأبرياء من إهمال الأولياء تلقي باللوم على الوالدين بسبب إهمالهم الذي كان سبباً في ضياعهم، لنتعرّف أنها أيضاً صديقة الخالة، وبعد الجدال يتفق الطفلان أنّ العالم الواقعي أفضل بكثير من العالم الافتراضي.

وحول جديدها الذي تقدّمه في مسرحية «عالم ميكرو»، تقول الكاتبة هيا صالح إنّ هناك قاعدة تربوية تُقرّ بأن الأطفال يتعلّمون بشكل أفضل حينما يكونون مستمتعين، وبناء على ذلك فقد غذّيت النص المسرحي بمجموعة من القيم التربوية وحرصت على تقديمها في إطار يراعي الخصائص الأساسية لمسرح الطفل من مثل وضوح الشخصيات وأدوارها وسماتها الأخلاقية، وسهولة الحبكة وطرافتها وتشويقها، والقيم الإيجابية التي تنتصر في النهاية لتحقق السعادة والخير، كل ذلك في جو يتسم بروح الفكاهة وبمنأى عن الإسفاف والوعظية.

هذه المسرحية تدعو إلى حماية الأطفال من مخاطر الانغماس في عالم التكنولوجيا الذي أصبح عدواً للتواصل الإنساني وللتفاعل بين البشر.

وتؤكّد الكاتبة أن الطفل الذي يتلقى الإبهار البصري بكل أشكاله من خلال جهازه “الذكي”، لا يمانع في ترك هذا الجهاز جانباً ليتابع ما يقدَّم على خشبة المسرح مثلاً، بمعنى أن حكمنا على جيل اليوم بأنه مرتبط بحبل سري لا فكاك منه مع وسائل التكنولوجيا والأجهزة الرقمية، بما يمكن وصفه بـ«الإدمان»، هو حكم جائر ومسبق، وأن الطفل بإمكانه أن يشيح عنها إن وجد بديلاً مناسباً ومقنعاً.

وحول المسافة بين النص المكتوب والعرض المسرحي البصري، تؤكّد أنّ الكاتب يستثمر جميع العناصر اللغوية من أجل إيصال رؤيته وبلورة فكرته في مكان وزمان محددين. أما مؤلف النص المسرحي بعامة، والموجه للطفل على نحو خاص، فتسكنه هواجس ثلاثة تتمثل في: الهاجس الفكري، والهاجس اللغوي، والهاجس الجمالي.. وكلما تمكن من التعبير عن هذه الهواجس استطاع صياغة نص مسرحي للعرض.

وبالطبع فلن يحقق النص ما يرومه من تواصل مع الجمهور إلا في حضور رؤية إخراجية تتمكن من تحويله إلى حياة تتدفق على خشبة المسرح، فالمخرج هو الذي يطوّع النص بما يراه ملائماً للعرض، وهو الذي يقود فريق العمل من مصممي الإضاءة والديكور والأزياء والفنيين والممثلين، بمعنى أن النص القوي يحتاج إلى رؤية إخراجية قوية تتحقق رسائله ومقولاته الفكرية، فمن الأهمية بمكان أن يتم التواصل بين الكاتب والمخرج في إطار ما يسمى الورشة، لتحقيق مضامين النص وطروحاته.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *