طلبة المسرح السوري ينشدون السلام عبر الرقص / نضال قوشحة

نشر / محمد سامي موقع الخشبة

معتصم الجرماني قدم في عرضه “الميول” تصورا أزليا عن الحب، الذي لا بد له كي يثمر من وجود شريك، يبادله هذا الهاجس

عاش فن الرقص عبر تاريخه الموغل في القدم انعطافات حادة، تولد منه طقس فني ظهر في الاحتفالات الدينية القديمة، ثم صار جزءا من الأساطير والملاحم، إلى أن وصل أخيرا لنمطه الحداثوي الراهن الذي قد يلاقي القبول كما الرفض لدى البعض هنا أو هنالك.

 ما يشد في فن الرقص هو تمسك الناس به، خاصة من فئة الشباب الذين دأبوا على العمل عليه، فيقدّمون من خلاله أفكارا جادة بعيدة عن التسلية، تتعلق بمصائر الناس ومعتقداتهم وآمالهم التي تحكي عن تفاصيل حياتهم العميقة.

وعبر سنوات طوال، تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق العشرات من الطلاب في قسم الرقص، الذي صار جزء منهم أساتذة فيه، وضمن هذه الرؤية الدائمة، وهي احتضان المواهب الشابة في فن الرقص وتعليمها أكاديميا، ثم استجلاء إبداعاتهم من خلال عروض خاصة بهم تبدأ من مشاريع تخرجهم.

وهو ما أتاه مشروع المختبر المسرحي السابع عشر، الذي قدّم على خشبة مسرح سعدالله ونوس العرض الخاص بمشروع تخرج طلاب السنة الرابعة، قسم الرقص، الذي أشرف عليه المدرب معتز ملاطيه لي، رئيس قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق.

وجاء المشروع في جزأين، حمل الأول منه عنوان “حياد إجباري” للطالبة أنجيلا الدبس، والتي شاركها فيه كل من لارا بخصار، رند شهدا وسارة المنعم، فيما قدّم الطالب معتصم جرماني الجزء الثاني من المشروع تحت عنوان “الميول” بمشاركة كل من سماح غانم، صبا رعد وحازم الجبة.

وفي عرضها “حياد إجباري” قدّمت أنجيلا الدبس فكرة تدهم المتابع، إذ يتداخل فيها الأنا بالآخر، حيث يشعر الأنا بأن الآخر يشاهده ويتابعه، ليحسّ بعدها الأنا أن ذاك الآخر صار جزءا منه، أو بعبارة أدق بات قريبا بشكل حميمي.

وتقول الدبس حول كون الفكرة أتت غامضة وصعبة الفهم للمشاهد العادي “ربما تكون الفكرة غريبة وغير واضحة المعالم، لكنها موجودة، ما يهمني هو تفاعل الناس معها والإحساس بها، فبعد فترة من الاعتياد سوف يجد المتلقي أن الأفكار صارت مقروءة أكثر”.

وتضيف “نحن نمثل فنا له خصوصيته، فهو فن لا يزال شبه محظور اجتماعيا، خاصة بالنسبة للذكور، والمشاق الجسدية والفنية في هذا النمط الفني كبيرة جدا، إذ أننا عبر سنوات أربع نتلقى دروسا في الليونة والحركة والإيقاع والأداء، لنظهر كل ذلك في عرض مسرحي نقارب فيه أفكارا محددة من خلال عرض بدقائق معدودة، لذلك ستكون الأمور صعبة على الباث والمتلقي على السواء، لكنها جميلة ومحببة”.

وبدوره، قدّم معتصم الجرماني في عرضه “الميول” تصوّرا أزليا عن الحب، الذي لا بد له كي يثمر من وجود شريك، يبادله هذا الهاجس والعواطف وربما الأمل.

وعن العرض يتحدث الجرماني “فكرة مشروعنا انطلقت من خلفيات شكلية كبرى تحيط بنا كبشر، ولا نملك إجابات محددة وواضحة لها، ففي ظل وجود اختلافات كبيرة بين الناس من حيث التكوين الخلقي أو الشكلي، ستكون هناك بالضرورة العديد من التناقضات”.

ويوضح “هنالك من يخلق طويلا أو قصيرا، أبيض أو أسود ذكرا أو أنثى، ولكن في ما هو أبعد من هذا الأمر، هنالك ميول يكنها كل من هؤلاء تجاه المختلف عنه، هي ميولات تتعلق بمضمون الإنسان وكينونته العميقة، باعتباره إنسانا شريكا في الحياة، مهما اختلف عنه بالشكل أو الظرف المجتمعي المحلي أو العالمي على حد السواء”. وعن طموحاته الفنية في هذا الفن الصعب، يقول الجرماني “بعد سنوات الدراسة الطويلة، والجهد الكبير الذي قدّمته حتى وصلت لهذه المرحلة، أتمنى أن أتابع دراستي في بلد أجنبي متطور في تدريس فن الرقص أكاديميا، ثم العودة لوطني سوريا، لأدرس هذا الفن الذي أحببته وأتابع تقديم ما درّسه لنا أساتذتنا من جهود كبيرة ومثمرة”.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *