حاتم عودة”: نحاول أن ننتصر لقضية العراق وأن ننتصر للمسرح – عباسية مـدوني وكنعان محيميد البني

   ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي والمنظم من طرف الهيئة العربية للمسرح ، والذي جرت فعاليات دورته الثانية عشرة ( 12) بالمملكة الهاشمية الأردنية ، وفي ظل حوارهادف وبنّاء كان اللقاء بقامات وأسماء مسرحية وفنية رائدة ، ومن بين هته الأسماء كان لقاؤنا مع الفنان المسرحي والإعلامي ” حاتم عودة”.

 

  • أستاذ حاتم عودة الغني عن التعريف لك الحرية في اخيار الشكل والأسلوب الذي ترغب أن يتعرف به المهتمون والمتابعون على تجربتكم المسرحية والإعلامية؟

  حـاتـم عـودة : بداية أشكرك لهذا التقديم والتقدير الجميل من حضرتك، ونحن أصدقاء قدماء جمعنا المسرح والإعلام منذ أعوام عديدة ،  إنّي أجد نفسي في الإخراج رغم أنني اشتغلت بالتمثيل بأعمال عديدة ،لأن المسرح كإخراج الطريقة المثلى للتعبير عن ذاتي ، بالرغم ما عندي وبصراحة أعمال كثيرة ، بدأت كمخرج محترف بعد العام 2003    ،وقبل هذا العام كنت أعمل بمسرحيات كثيرة كممثل ، وبأوقات متباعدة أيضا ، وبعد هذه الفترة أي سنة 2003  أسست فرقة مسرحية خاصة بي أسميتها فرقة “باب” ،  وكان أول عمل من إخراجي باسم “وداعا غودو” عن نص صموئيل بيكتفي انتظار غودو” وقد قدمنا هذا العمل المسرحي في الشهر 12 من عام 2003 ، وفي هذا التاريخ كانت الدبابات الأمريكية بالشوارع والحرائق والدمار ، وفي هذا الظرف قدمنا العمل وقد لاقى صدى جماهيريا وإعلاميا ونقدا جيدا…

ثم قدمناه في مهرجان دمشق الدولي للفنون المسرحية بعد التوقف الطويل للمهرجان ،وكنت سعيدا بتقديم العمل في هذا المهرجان بمسرح ثمانية آذار بوسط العاصمة دمشق ، بعدها قدمت هذا العمل في مهرجان “مكان” في اسطمبول بتركيا وكان المهرجان مهما جدا ، وميزته أن لا مكان للعرض بمعنى لا توجد خشبة ولا مقاعد للجمهور بل فضاءات يتم بها العرض ويشاهده الجمهور بهذا الظرف أيضا ، وهو مهرجان سياحي وقد وجّهت لنا دعوات لتقديم هذا العرض المسرحي ببلدان كثيرة…

ثم اشتغلت بعد ذلك العمل أربع عروض مسرحية وهي مسرحية “بروميسيوس” بطريقتي المحلية ثم اشتغلت على مسرحية “صدى” وعرضتها بعدة أماكن مختلفة ومنها مهرجان القاهرة التجريبي وحصدنا من خلاله بها جائزة أفضل ممثل ، ثم اشتغلت على مسرحية “صداع” وبعدها  مباشرة مسرحية “أبيض وأسود” وعرضتها في بغداد و ألمانيا ، وبعد ذلك  مسرحية “يا فلانـة” عرضتها في بغداد وفي مهرجان “أربيل الدولي” وحصدنا من خلاله  جائزة أفضل ممثلة،  وفي مهرجان “أوال” المسرحي في البحرين حصلنا على جائزة أفضل ممثل وأفضل ممثلة.. ثم تمّ عرضها  في عمان.

هذه المسرحيات سواء كانت محلية أو عالمية كنصوص أركز فيها على قضية  واحدة بدأت بسيطة ثم نضجت بالأخير وأصبحت قضيتي في العروض المسرحية ، وهي قضايا المرأة   ليس بشكلها المحلي بل عالميا ،ومن خلال محبتي لهذا الموضوع عملت على جملة من البحوث وثلاث ورشات في مؤسسات تهتم بقضايا المرأة ، وتمّ ملامسة  نضج مهم بهذا الموضوع وهذا ليس كلامي بل كتابات الذين اطلعوا على البحوث والورشات ممّن تابعوا وواكبوا .

  • من خلال هذا الطرح الجميل عن قضايا المرأة نشأ عندي هذا التساؤل هل المخرج المسرحي الفنان حاتم اهتمامه وانتصاره بقضايا المرأة لتحقيق المساواة وهل الإبداع الفني أكثر تحقيقا للوعي بحقيقة وضع المرأة القائم على التشاركية ؟

حـاتم عـودة : طبعا الخط الذي أشتغل عليه ليس له علاقة بالمساواة نهائيا ، المرأة لها كيانها من دون أي شخص يدافع عنها أو يطرح الطروحات التي تضئ وضع المرأة ، إنّي أشتغل على القهر الاجتماعي في المجتمعات العربية وحتى غير العربية وأقصد المجتمع الأوربي ، بدليل كثيرا ما نسمع ونقرأ عن تعنيف المرأة في المجتمع الغربي ،فكيف في العراق وفي الجنوب العراقي ،للأسف كثير من التخلف في التعامل مع المرأة ،  وإني طبعا ضد التجمعات النسوية التي من شأنها أن تقلل من شأن المرأة والوعي عندها ، لكن تعامل الآخر سواء  كان رجلا أو امرأة على القهر الاجتماعي…

في فيلم أبيض وأسود قصة المرأة بكل حياتها أنها تنتظر الابن ليس قضية نسبية ، كيف يسلبونه منها وهو صغير للحرب وتنتظر عودته ، قبل 2003 وإلى يومنا هذا  ثمّة  الكثير من المعتقلين في السجون والمعتقلات صار لهم سنوات لا أحد يعلم عنهم شيئا ،  ولما يعود ابنها تجده مجنونا  من التعذيب ، إذ سلبوه من الحياة وهو طفل ، ورجع رجلا كبيرا وناضجا ، أقصد ههنا  كجسد وعمر لكن بدون عقل ،  وكانت هذه الأم تكرر جملة مفادها لو كنت باقية أبحث كان أهون وأفضل ، إنّ هذا نوع من القهر، و في مسرحيتنا الأخيرة “فلانة ” هناك رجل لديه سبعة أولاد بنات وهمه بالحياة أن يكون له ولد ذكر ، لديه خلفة ولكن لا تعني له شيئا ، حلمه أن يكون له ذكر ،هذا نوع من القهر الاجتماعي أيضا، فلانه ضمن البيت ينادونه باسم غير معرف ،ذكرا كان أم أنثى ،يتم المناداة دون تحديد معين كأنه قطيع ، تلك هي المواضيع التي أشتغل عليها ، وهناك قصص وحكايا كثيرة تقدم مواضيع تبحث بالقهر الاجتماعي.

  • العراق اليوم يمر بولادات جديدة ، ثورة تتميز عن كل الثورات التي سبقتها ، فما وضع المسرح في ظل هذه التحولات الاجتماعية الفكرية السياسية؟

 حـاتـم عـودة : طبعا من غير الممكن عزل المسرح عن البيئة المحيطة فيه ، من ممارسات اجتماعية وثقافية هناك الكثير من الأمسيات الثقافية في بغداد تبحث في السينما والمسرح وفي مركز الكتاب ، جميعها تعمل لأن هذا الوضع في العراق وضع  تصحيحي ، إذ ثمّة ثورة تصحيحية من سنة الـ 2003 وحتى الآن بالتأكيد العراق يعاني من عدم الاستقرار، كنا نشتغل  مسرحا بوضع هادئ لحد ما ، أما اليوم الوضع صعب جدا ، موضوعة التمويل الذي كانت تقدمه وزارة الثقافة أضحى شحيحا ، وأغلب المسرحيين في ساحات التظاهر ، لأن ما يجري بالشارع يحتاج لوقت كي يستوعبه المسرح ،وما يطرح بالشارع أقوى بكثير ، وهي تظاهرات سلمية من جهة المتظاهرين ،ولكن غير سلمية من الطرف الآخر ، ورغم ذلك لم نتوقف شاركنا بمهرجانات مثل التجريبي بالقاهرة وبقرطاج بتونس ومهرجانات البصرة وسواها.

  • ما هو دور الإعلام الالكتروني في الترويج للأعمال المسرحية بخاصة وأنت تملك موقع ومجلة الخشبة الكتروني؟

حـاتـم عـودة : لا يمكن لأحد أن ينكر دور الإعلام في الترويج المسرحي الكتروني، ورقي، تلفزيوني، مواقع تواصل مختلفة   ومنوعة ، والإعلام بدأ يدير حوارا بين العرض المسرحي والجمهور إن كان حاضرا لهذا العرض أو لم يحضره ، كأن تقرأ عبر التواصل هناك عرض مسرحي في الجزائر، ومهرجان في مكان وبلد آخر ، أنت تتحفز للمشاركة ويتوفر لك الخيار في الحضور ، كما تتوفر لك المعلومات والقراءات النقدية والإعلامية لهذا العرض المسرحي أو المهرجان الفلاني ،لذلك صار الإعلام ملفتا للنظر ويقدم لك الخبر دون انتظار لصدور العدد من المجلة أو الجريدة ، إنّه إعلام مفتوح…

وقبل العام 2003 كان النت لدينا ممنوعا ومراقبا ولا تستطيع امتلاك مساحة خاصة فكل المساحات كانت مجانية على مواقع التواصل ، وبعد سنة أصبح الموقع معروفا ومشهورا واستقطب كتابا ونقادا مسرحيين وقراء محليين وعربا ، وقد اهتممت به حتى أضحى من المواقع الهامة في عالم التواصل الاجتماعي ، وصار الموقع الأول الذي يهتم بالمسرح وهو جهد فردي غير مؤسساتي ، والعاملون متطوعون بلا أجر،  رغم أنك تتحمل كلفة الحجز في الشبكة والصيانة الفنية والتصميم للموقع والتشبيك مع المواقع الأخرى للوصول لأكبر شريحة من المتابعين ،  وأفكر بشكل جدي في تطوير الموقع ليكون أكثر حضورا في عالم السوشل ميديا ، كما أصدرت مجلة فصلية تحت اسم “الخشبة” وأصدرت منها أربعة أعداد كتبت فيها أهم الأقلام المعروفة في المسرح ، ولكن متوقفة ولدي عدد جاهز للطباعة وأعاني من التوزيع ولكن أخذت صدى مهما في الوسط المسرحي ،وستستمر بدعم من الفنانين العرب قريبا .

  • في ظل المتابعة لفعاليات مهرجان المسرح العربي نلاحظ نشاطا ملحوظا للفنانين العراقيين المتواجدين بالمهرجان، بماذا تفسر ذلك؟

حـاتـم عـودة : هذا الشعب حي وهو الفصيل الثقافي من هذا الشعب لديه حراك وحيوية رائعة خصوصا بالمسرح علما أن المسرح فن جماعي ، وفي هذه المرحلة العصيبة من حياة العراق تلاحظ أن المسرح أول الفنون التي عادت للشارع ، وأعلنوا تأسيسهم لاتحاد المسرحيين العراقيين في الشهر الـ 11 ، وكثّفوا عزمهم وباشروا الاشتغال مسرح ودراما ، ومشاركتنا بالمهرجان بغض النظر عن عدم مشاركتنا بعرض مسرحي ولكن هناك مسرحيون مشاركون بالندوات والحوارات وهم فاعلون بمشاركاتهم بالحوار وتقديم مداخلات أضافت أشياء مهمة بالمواضيع التي تناقش ،وفي تقييم النصوص المسرحية في سياق المسابقة المعلن عنها بالمهرجان،   تجد المسرحيين العراقيين رغم الظروف الصعبة التي تمر بهم يثبتون حضورهم الفعال والمميز، حيث  مرت فترة لا يوجد تمويل مادي ورغم ذلك تجد موسما مسرحيا  أين تجد خمسة عروض مسرحية بالحد الأدنى تعرض ويتم انتاجها رغم الشح الذي أشرت له ،  والحمد لله تجد هذه الميزة بالمهتمين حقيقة بالشارع الثقافي العراقي وبالمسرح بشكل خاص .

  • ماهي الكلمة التي يقولها المسرحي حاتم عودة عن دور المهرجانات المسرحية في الشارع الثقافي – المسرحي؟

حـاتـم عـودة  : ليَّ رأي بالمهرجانات المسرحية وتحدثنا كمسرحيين بهذا الموضوع الهام مع الأصدقاء المهتمين والشاغلين في ذلك ، وهناك آراء مختلفة بهذا الشأن ، أنه ثمّة فقر على كل المستويات منها عن التكنولوجيا بالمسارح الموجودة، وقضايا التمويل، وعلى مستوى الأداءات، وشحة المسؤولية وكثير من القضايا العالقة ، ومن وجهة نظري أرى أن المسرح يمكن أن يقام ، يمكن أن تنجز أي عرض مسرحي بأقل التكاليف ، الشرط الوحيد عندي هو التواصل الجيد بين الخشبة والجمهور ،هذا أراه أهم الشروط ، يمكن أن تتنازل عن السينوغراف عن الديكور ، لكن لن نتنازل عن تحقيق التواصل ما بين الخشبة والجمهور ، أما عن المهرجانات كفاعل مسرحي حضرت وشاهدت عروض الزملاء أبحث عن نفسي في أي مكان أقف أنا كمخرج ، في قرطاج يمكن أن تشاهد أربعين عرضا، في القاهرة تشاهد الكثير من العروض وأنت تتعلم وتكسب معرفة التجربة ، أكبر فائدة ليَّ هذه الحالة ،ومن الضرورة كسر القاعدة التي يتفاخر بها القائمون على المهرجانات أنه يوجد 400 ضيف على المهرجان ، ومن جانب آخر القاعات والصالات التي تعرض عليها تتسع لأربعة مئة أو خمس مائة مشاهد ، لكن السؤال الملحّ : أين  الجمهور الذي يقام المهرجان به ولأجله ؟

أين يجلس جمهور هذا البلد المضيف للمهرجان ؟ ، أتمنى فعلا أن تدعى العروض المسرحية المشاركة ومعها شخص أو شخصين ،وعدد من الضيوف المهتمين بحدود المئة أو المئة والخمسين وتتيح امكانية المشاهدة لجمهور هذا البلد من المسرحيين وسواههم ،وكذلك في الندوات التطبيقية وكأننا نحن المشاهدون ونحن المتحاورون ،ولكن أين رأي جمهور البلد المستضيف للمهرجان ؟

في ألمانيا بعد عرض مسرحيتي “فيلم أبيض وأسود” كان المحاور هو الجمهور بكل بساطة ، لم أسمع مصطلحات ولا نظريات ،أسمع رأي ورؤية الجمهور بلغته البريئة البسيطة العفوية بدون فذلكات وتنظيرات مملة ، أنا قدمت الحكاية مع الرسالة الموجهة للجمهور توضح مقولة العرض المسرحي ، لا أسمع لو عملت كذا أو كذا ، وأنا أرى أن السينوغراف كذا ، ماشاهدت وسمعت واستغربت بهد العرض بدون تأمل بدون فرصة ساعات ثلاث أو يوم أناقش وأحلل العرض بآراء مسبقة تشي باستعراض لا غير ، وقد أغير رأيي عندما أستمع لرأيك بسبب عدم التأمل للعرض .

  • في الختام كل الشكر والتقدير على منحك لنا هذا الوقت وتقديم تجربتك الثرية للجمهور والمهتمين ،  لك التكرم بتقديم كلمة لأهل الشام  وللمسرحيين السوريين؟

حـاتـم عـودة  : نحن نملك عاطفة مميزة للشام التي احتضنتنا أيام العدوان الأمريكي ، واستقبلنا أهلنا بالشام بالترحاب والاستقبال ، استقبال الأخ لأخيه ،بكلفة بسيطة تحضر للشام وتلقى المحبة والكرم، ومهرجان دمشق الدولي للفنون المسرحية أول مهرجان على مستوى الوطن العربي قدمني مسرحيا وأقام لنا ندوة فتحت أمامنا بوابات لعرضنا الأول…

كما تعرفت على أصدقاء مسرحيين سوريين أيضا ولا زلنا على تواصل معهم ،وأحتاجهم بالكثير من الأشياء وهم يحتاجونني أيضا ،وكثيرا ما أطرح على صديقي الأستاذ عماد جلول مدير المسارح والموسيقى متى يعود مهرجان دمشق المسرحي الدولي ، كما أتمنى الخير للشعب السوري الكريم وأن تعود العلاقات القديمة والحية بيننا والقائمة على الحس والشعور الإنساني ، وقد حضرت دورتين من دورات المهرجان بعد الانقطاع والعودة ، إنّي أتمنى السلام والمحبة للشعب السوري العظيم .

صفوة القول، أن الفنان ” حاتم عودة ” من العراق ، كأي فنان وإنسان حامل لهموم شعبه ولقضايا وطنه الأم التي لا تنسلخ من القضية العامة ألا وهي قضية الإنسان وضرورة الإنتصار لهذا الانسان في كل الظروف ، وبخاصة على الصعيد الفني اللغة الإنسانية الوحيدة المنتصرة خدمة له ولقضاياه وكشفا لطموحاته وآماله وتعرية لمواجعه وفجائعه حتى نلامس الحرية والسلام فنّا وإبداعا.

 *حاواراه: كنعان محيميد البني من ســوريـا وعباسية مـدوني من الـجزائــر

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …