تقاسيم.. رؤية مسرحية تنتقد الواقع العراقي

المصدر / الجزيرة نت : نشر محمدسامي موقع الخشبة

قدمت مسرحية “تقاسيم على الحياة” لمؤلفها ومخرجها العراقي جواد الأسدي رؤية للواقع الأليم الذي يعيشه العراق من خشبة منتدى المسرح التجريبي الذي يتخذ من بيوتات بغداد القديمة المطلة على نهر دجلة مقرا له.

وعلى الرغم من الإمكانيات المحدودة التي يوفرها المنتدى فإن إصرار المخرج جواد الأسدي عليه كانت له دوافعه وأسبابه المبررة، حيث يجد الأسدي أن حميمية المكان تعطي للعمل خصوصيته دون الأعمال الأخرى التي تعرض في قاعات العرض الكبرى، فالمشاهد يكون لصيقا بالممثل الذي ينقل معاناته اليومية وإن كانت عبر شخصيات قد لا تحمل نفس مواصفات العراقي إلا أنها تعكس مرآة واقعه المرير.

وبالعودة إلى العرض الذي حرص القائمون عليه أن يكون مختلفا بكل شيء، سواء من خلال الديكور بجدرانه الحديدية التي استطاعت أن تنقلنا إلى أجواء المصحات النفسية، فضلا عن الإضاءة وحتى الأداء الذي أعادنا إلى عروض غابت عن المشهد العراقي منذ سنوات حرص الأسدي على متابعة تفاصيل كل عمله المسرحي من بروفات ما قبل العرض إلى أماكن جلوس الجمهور التي لا تتعدى الثمانين مقعدا.

مشهد من مسرحية تقاسيم على الحياة 

مشاهد حساسة
وبعد انتهاء العرض المقتبس من “العنبر رقم 6” لأنطوان تشيخوف وطلب من الحضور عدم تصويره لحساسية بعض مشاهده استطعنا إجراء حوار سريع مع الأسدي لتسليط الضوء على تجربته المسرحية الثانية في بغداد بعد “نساء في الحرب” التي عرضت العام 2005.

وبتلقائية المثقف بدأ حديثه عن نصه الذي يجد أنه جاء “لتعرية الواقع اللاإنساني الذي يعيشه البشر”.

وعلت على وجه الأسدي أمارات الحزن من الواقع الذي يعيشه العراق الذي غاب عنه لسنوات ولم يغب عن باله للحظات.

“لقد استطاع النص أن يخاطب الواقع وما يجري للمواطن العربي والعراقي بل الكوني، فالكل يعيش بمصح كبير نقلته على خشبة المسرح شخصيات طحنتها الظروف الجائرة والسياسات الدكتاتورية التي حولت المجتمعات إلى أدوات خاضعة لها تحت مسميات شتى”.

ويعترف المخرج بملامحه الجنوبية بأن فلسفة نصه قائمة على فكرة “الثبات والحركة”، أي بمعنى أن لغة الواقع التي يكتنفها العنف والقسوة في أكثر الأوقات يقابلها السخط والرفض لكل الممارسات التي تقمع الحقيقة أو الإعلان عن الرفض المشروع لكل الأساليب التي تفقد النفس البشرية حقها بالعيش والتمتع بحياة آمنة دون المرور بأقبية الظلم التي باتت تنتشر في المجتمعات كافة، والعربية منها على وجه الخصوص.

وعن معاناة العراقيين، يسترسل الأسدي “جوهر أعمالي كان موجها لشعبي المقهور، فالعراقيون يحاولون وسط هذا الظلم البحث عن التنوير، وأن تكون للفرد منهم قيم معرفية وقدرة على التمييز على الرغم من المحن والحروب التي مروا بها”.

جواد الأسدي: الجيل الجديد سيصنع الحياة في العراق 

المثقف والتغيير
وفي سؤالنا عن دور المثقف في إحداث تغيير في هذا الواقع قال “لا أستطيع أن أؤكد ما إذا كان دور المثقف فاعلا في هذا الأمر أم لا، خاصة مع حجم المرارة والتجهيل الفكري الذي وقع على العراقيين الذين تحولت حياتهم إلى رماد بعد أن سحقت أرواحهم وتحولت الحياة إلى مستنقع قاتل”.

ويعترف بأن المشهد السياسي المضطرب والفكر الديني الأصولي والطائفي بالإضافة إلى تكريس الفكر العشائري الذي بات يصوغ الحياة اليومية للعراقيين أسهمت في تجهيل المجتمع العراقي الذي كان في أعلى درجات التنوير والمدنية في سبعينيات القرن الماضي.

لكنه يجد أن عددا كبيرا من المثقفين العراقيين يقاتلون بضراوة في محاولة لاستعادة الحياة المدنية، ويجد أن قليلا من الهمة والثقافة كفيل بكسر ثقل السلطة السياسية وما يتمخض عنها من “عمى يومي”، فالساسة -بحسب تعبيره- “غير معنيين بإعادة الحياة العراقية إلى حالتها الإنسانية الطبيعية”.

ويتابع المسرحي المخضرم “هناك العديد من الطلائعيين والجماليين الذين يحاولون جاهدين أن يصنعوا نوعا آخر من الحياة وسط التركة الثقيلة التي حلت على المشهد الثقافي والمسرحي على وجه الخصوص”.

وأكد أن الجيل الجديد من الشباب هو من سيصنع هذه الحياة على الرغم من التقشف وعدم الاهتمام.

وأشار إلى أن اندفاع هذه الثلة المبدعة حملته على التفكير بالعودة إلى العراق في محاولة لصنع تراكم من المبدعين في بلد كان رائدا في الفن والفكر والعطاء.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *