الورش الإبداعية بديلة أم منافسة لمعاهد الفنون

 
محمد أحمد حسين – العرب 
 
هل أنت شخص موهوب حقا؟ وإن كنت موهوبا هل هناك مَن يساعدك ولديه القدرة على صقل موهبتك وتطويرها لتصبح محترفا؟ وأين ستجد المساحة الكافية لإظهار هذه الموهبة؟ الكثير ممن يمتلكون الموهبة في مصر تراودهم هذه الأسئلة، التي قد تمثل للبعض منهم سدودا وعوائق في طريق تحقيق أحلامهم، وفي مجال التمثيل خاصة قد يجد أغلب من يتلمسون خطواتهم الأولى صعوبة في ذلك، ما يدفع بعضهم إلى التخلي عن أحلامهم ومواهبهم.
 
في العقود الماضية لم يكن أمام الأشخاص ذوي الموهبة في مجال التمثيل في مصر سوى مسرح الجامعة أو معهد الفنون المسرحية، اللذين أخرجا عددا كبيرا من النجوم التي استحقت أن تحتل مكانة مميزة بين الصفوف الأولى في عالم التمثيل مثل أحمد السقا، ومحمد سعد، وإلهام شاهين، وشريف سلامة وغيرهم، ولكن في الآونة الأخيرة ظهر على الساحة عدد من ورش إعداد الممثل، التي أثبتت وجودها بشكل ملحوظ وفتحت المجال للعديد من الموهوبين في مجال التمثيل ليطلقوا العنان لموهبتهم، ويظهروها إلى النور.
 
 
جدارة الموهبة
 
تسعى ورش التمثيل إلى اكتشاف وصقل المهارات الإبداعية، من خلال تدريبات مكثفة تقوم بتعليم المشتركين في الورشة قواعد ومهارات التمثيل والارتجال المسرحي، وهذه الورش غير مقتصرة على التمثيل فقط إنما تقوم بتعليم الإخراج المسرحي والتصوير الفوتوغرافي والتأليف المسرحي أيضا، إلى أن أصبحت هذه الورش قبلة للموهوبين في الفترة الأخيرة، وقد أثمرت هذه الورش فنانين استطاعوا أن ينجحوا في عالم الاحتراف، ومنهم مثلا نضال الشافعي، وسامح حسين، وإيمان السيد، وياسر الطوبجي، ومحمد فراج، وأحمد سعد ميشو وغيرهم. وذلك من خلال ظهورهم في مسرحيات قدمتها هذه الورش، التي قام المخرجون والمنتجون بحضور عروضها واكتشافهم، وإتاحة الفرص لهم للمشاركة في أعمال أخرى.
 
ومن أبرز المسرحيات التي أنتجتها ورش التمثيل مسرحية “قهوة سادة” التي نجحت نجاحا لافتا، وأشاد بها الكثير من النقاد والجمهور، ولكن مع تزايد عدد هذه الورش التي التزم البعض منها بإخراج مواهب حقيقية وممثلين جادين، هناك البعض الآخر الذي لا يتعامل مع الأمر بالجدية اللازمة ولا يولي القيمة الفنية أهمية.
 
يوضح خالد جلال، المخرج والمؤلف المسرحي، والمسؤول عن ورشة إعداد الممثل في مركز الإبداع في الأوبرا قائلا “إن الشباب يتجهون إلى ورش إعداد الممثل، لأنهم رأوا فيها بوابة يستطيعون من خلالها جني ثمار موهبتهم، وأيضا لأن القبول في هذه الورش يعتمد على مدى جدارة الموهبة، دون النظر إلى الوسائط أو ما شابه، وبذلك يتمكن الموهوبون الذين تم قبولهم في الورشة من تعلم فن الارتجال والغناء والرقص وفن الإلقاء والكثير من المهارات والتقنيات الأخرى الخاصة بفن التمثيل”.
 
يتابع جلال “بعد مجهود كبير تقوم به في الورشة خلال الدراسة تتم عملية تسويقية كاملة عن طريق دعوة المخرجين والمنتجين والفنانين الكبار حتى يشاهدوا المواهب الصاعدة وهم يقدمون موهبتهم، وبذلك يتم تواصل هؤلاء الموهوبين مع المجتمع الفني. ويوجد الآن الكثير من الورش الناجحة على الساحة مثل ورشة الأستاذ محمد عبدالهادي، وورشة الأستاذة مروة جبريل والأستاذ أكرم فريد وغيرهم. وهذا لا يمنع من وجود بعض الورش في القطاع الخاص التي اتخذت ورش إعداد الممثل وسيلة تجارية، بعضها يتاجر بعقول ومواهب الشباب، ولا ينظر سوى إلى الربح المادي”.
 
وينصح خالد جلال الشباب بأن يتجهوا إلى الأماكن الرسمية، ليستطيعوا أن ينمّوا مواهبهم ويطوروها، إلى أن تظهر بالشكل السليم.
 
ورش التمثيل تسعى إلى اكتشاف وصقل المهارات الإبداعية، من خلال تدريبات مكثفة تعلم المشتركين قواعد ومهارات التمثيل
 
الورشة أو المعهد
 
يقول الفنان الشاب محمد علي، أحد خريجي ورش إعداد الممثل وأحد أبطال مسرحية “قهوة سادة”، والذي ظهر على الساحة الفنية من خلال هذه المسرحية، “بدأت في كلية الآداب قسم مسرح بجامعة حلوان، ولكنها كانت تجربة منقوصة، لم تفدني بشكل كبير على أرض الواقع، فذهبت إلى ورشة الأستاذ خالد جلال في مركز الإبداع، وفعلا تعلمت الكثير من المهارات، فقد أتقنت مع التدريبات فن الإلقاء على المسرح وكيفية أداء الأغاني بشكل سليم، كما تعلمت الرقص والصوت والارتجال وانفتاح الخيال. هذه الورشة جعلت مني فنانا شاملا قادرا على أداء أي نوع من الأدوار”.
 
ويرى محمد علي أن سبب إقبال الموهوبين في مجال التمثيل على ورش إعداد الممثل أكثر من إقبالهم على معهد الفنون المسرحية هو أن المعهد لا يستقبل إلا أعدادا قليلة للغاية من الراغبين في تعلم التمثيل، فمن الممكن أن يتقدم أكثر من 1000 شخص للمعهد، ويتم قبول 25 فقط، كما أن المعهد، كما يقول، غير قادر على تسويق المواهب بالشكل الكافي لتظهر على الساحة الفنية، كما كان يفعل قبل ذلك.
 
ولكن في ورش إعداد الممثل يتم تقديم عرض كبير يأتي إليه كبار المخرجين والمنتجين والفنانين والإعلاميين ليكتشفوا المواهب الجديدة، ويستشهد محمد علي هنا بحضور الكثير من المنتجين والفنانين إلى ورشة التمثيل التي اشترك بها ومنهم شريف عرفة وأحمد مكي واختيارهم لعدد من المواهب لأعمالهم القادمة، كما أن المخرج عمرو عرفة قام باختياره هو شخصيا من خلال مشاهدته لعرض مسرحية “قهوة سادة”، علاوة على ذلك تقدم الورش جولات عربية تمكن من إثراء تجربة الفنان.
 
تقول دينا جمال، إحدى المتدربات في ورش إعداد الممثل “عانيت كثيرا حتى أتمكن من أن أُظهر موهبتي للمخرجين والمنتجين، وخلال سعيي إلى ذلك حاولت الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، لكنهم لم يختاروا سوى عدد قليل جدا من المتقدمين، ويقول البعض إنه تم قبول أغلبهم بناء على الواسطة والمحسوبية، وبعد أن تم رفض التحاقي بالمعهد، ذهبت إلى التقديم في ورشة إعداد الممثل لأن بها من المزايا ما هو غير متوافر في أماكن أخرى، فهي تعطي للممثل مجالا أكبر ومساحة أوسع للظهور، وبعد إتمام عملية الدراسة والتأهيل الكامل للممثل داخل الورشة، تتم عملية تسويق للفنان، وهذا من أهم الأهداف التي يسعى إليها أي شخص موهوب في مجال التمثيل وهو في بداية حياته العملية”.
 
معهد الفنون المسرحية لدارسي التمثيل أكثر منهجة وتنظيما في تقديم المادة العلمية، ولا يتوافر ذلك في الورش الخارجية
لكن من جانب آخر تخالف منى صادق، أستاذة في معهد الفنون المسرحية بالقاهرة، هذه الآراء قائلة “مازال المعهد هو القبلة الأولى والأخيرة للموهوبين، فهو يقوم على إعداد الممثل على أساس أكاديمي، ولست بذلك أنفي الدور الذي تقوم به الورش حاليا، ولكن يظل معهد الفنون المسرحية أكثر منهجَةً وتنظيما في تقديم المادة العلمية، ولا يتوافر ذلك في الورش الخارجية، وأنا أرى أن الكثير من ورش إعداد الممثل يتخذون الموضوع ‘سبوبة‘، فنسمع بأن البعض منهم ليسوا مختصين وهناك أسماء لا نعرف عنها شيئا، ولكن من يقومون بالتدريس في المعهد أسماء كبيرة ولها ثقلها مثل جلال الشرقاوي، وسناء شافع، وسميرة محسن، وأشرف ذكي، ومدحت الكاشف وغيرهم”.
 
أما عن قلة أعداد المقبولين في الدفعة الواحدة، فهذا يرجع، كما تلفت منى صادق، إلى اللائحة التي توصي بقبول حد أقصى لا يستطيع المعهد أن يتجاوزه، وترى صادق أن هذا في صالح الطالب فبذلك يستطيع أن يستفيد أكثر، كما أن المعهد لا يبخل على الطالب من الناحية التسويقية ففي نهاية العام تُقام حفلة التخرج، وهي بمثابة مهرجان تحضره نخبة كثيرة من المهتمين بالفن ومن خلالها تتاح للطالب فرصة للعمل والاحتراف.
 
ومن جهة أخرى يقول محمد أشرف، أحد أعضاء فريق مسرح كلية الحقوق، إن العمل في مجال التمثيل يحتاج إلى “كارنيه النقابة”، وهذا يوفره معهد الفنون المسرحية، أما ورش التمثيل فهي لا تقدم تصريح العمل أو كارنيه النقابة، باستثناء ورشة مركز الإبداع فقط، لأنها تابعة لوزارة الثقافة، أما خريجو الورش الأخرى فيعانون كثيرا لحصولهم على الكارنيه باستثناء المطلوبين على الساحة بشكل كبير.
 
ويقول فادي القاضي أحد طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية “لجأت إلى معهد الفنون المسرحية حتى أستطيع أن أتأسس بشكل سليم، ولكني أرى أن الموهوبين فى مجال التمثيل يلجأون إلى ورش إعداد الممثل فى الفترة الأخيرة لأن الناحية التسويقية للممثل هناك أفضل”.
——————————————————
المصدر : مجلة الفنون المسرحية

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *