«المهرجان القومى» وأزمة صراع الأجيال / هند سلامة

المصدر / محمد سامي موقع الخشبة

يبدو أن المهرجان القومى أصبح مسرحا لإبراز صراع الأجيال وليس توافقها أو اتفاقها؛ ففى كل عام خاصة فى آخر دورتين بدأت تتسع الفجوة بين تذوق الجيل الحالى وتجاربه المسرحية

وبين مدى استساغة المسرحيين الكبار لهذه التجارب، خاصة غير المتابعين منهم للحركة المسرحية، دائما ما تقع الأزمة بين اصحاب الرؤى الجديدة والكبار بعدم الرضا عن آلية توزيع الجوائز ومنحها لمستحقيها، فقد ترى اللجان أن الأكثر كلاسيكية والتزاما بالنمط وقواعد المسرح كما قال الكتاب هم الأكثر كفاءة واستحقاقا لجوائزه ومن ناحية أخرى يرى الشباب أن هناك خللا واضحا فى معايير المنافسة والتقييم التى يضعها الكبار لأعمالهم خصوصا المعاصرة منها..!

للعام الثانى على التوالي، استياء شديد وجدل وتساؤلات حول المهرجان القومى للمسرح؛ عقب ختام فعالياته مباشرة وإعلان لجنة التحكيم لجوائزه الذى بدا معظمها مفاجئا وصادما للكثيرين، وذلك بعد حصول عرض الأطفال «سنووايت» على جائزة أفضل عرض وأفضل مخرج لمحسن رزق وأفضل ممثلة لمروة عبد المنعم؛ اعتبر الكثيرون أن هذه الجوائز الكبرى لعرض أطفال، يعد تجاهلا لأعمال مسرحية أكثر جودة واحتراف، دام هذا اللغط لأكثر من يوم فور إعلان الجوائز، لذلك قرر المخرج أحمد السيد أحد أعضاء اللجنة العليا للمهرجان تنظيم ندوة وجلسة مع عدد من الراغبين فى تقديم تصور جديد للمهرجان القومي؛ وأكد السيد…»لم يكن إعلان الجوائز والجدل الذى ثار حولها محركه الأساسى فى الدعوة لهذه الندوة بل كان الدافع الأكبر؛ أن المهرجان منذ بدايته شهد أزمة كبيرة مع لجان المشاهدة المنوط بها اختيار العروض المشاركة وأخيرا لجنة التحكيم، وأشارالى أنه خلال هذه الندوة المقرر انعقادها يوم الأحد سوف يتم طرح الفلسفة الخاصة بالمهرجان؛ هل هو مجرد بانوراما مسرحية لعرض أهم إنتاج مسرحي؟!، أم هو مهرجان كبير تستفيد منه الحركة المسرحية، ثم إشكالية البقاء على المنافسة أو إلغائها تماما، بجانب فكرة التصنيف التى يدعو إليها الكثيرون فهل من المهم تصنيف المهرجان لمسرح طفل، راقص، دراما أو شارع ؟! كل هذه تساؤلات لابد من طرحها والإجابة عنها لوضع تصور جديد ومختلف.. فهذه جلسة من أجل التطوير».

أزمة مسرح الطفل..!

وقع المهرجان فى أزمة تصنيف الجوائز وذلك لتعدد اشكال واطياف العروض المشاركة ضمن فعالياته التى قد تتنوع وتختلف فى مفهومها ومحتواها الفنى مثل مسرح الطفل أو الرقص المسرحى الحديث، وبالتالى جاءت المنافسة غير منصفة وغير عادلة بين المشاركين؛ فحتى إذا زعم البعض بأن جوائز الأوسكار قد تذهب إلى أفلام قدمت خصيصا للأطفال؛ فهذه معلومة خاطئة تستوجب المراجعة لأن الأوسكار على مدار تاريخه لم يفز فيه فيلم للأطفال بالجائزة الكبرى وهى جائزة «أفضل فيلم» بل عادة ما تحصل هذه الأفلام على جوائز الرسوم المتحركة أو أفضل موسيقى مثلما حدث فى فيلمى «frozen»، و»Coco»، بينما حصل فيلم «Hugo» لمارتن سكورسيزى على خمسة جوائز لم تكن من بينها جائزة أفضل فيلم لعام 2011، بالطبع لا تجوز المقارنة بين المسابقتين لكن فقط اردنا تصحيح بعض المعلومات، لذلك وقع ظلما كبيرا بالمهرجان على عروضه المشاركة بالتسابق، فبرغم تقديم المخرج محسن رزق العام الماضى لتجربة مسرحية هامة ومميزة فيما يخص عروض الطفل ب«سنووايت» اهتم فيه رزق على غير عادة صناع هذا النوع من المسرح؛ بالمحتوى الفنى والشكلى له، فخرج العرض فى صورة جاذبة لخيال الأطفال، وبالتالى هو مميز لما قدم فى سياقه؛ لكن إذا دخل العمل فى مسابقة كبرى مع أعمال مسرحية أخرى تحمل تجارب مهمة ومحاولات جديدة ومبتكرة على مستوى الكتابة والتأليف والإخراج، بالطبع لابد ان يتساءل ويتوقف الكثيرون ليس بدافع مقت واحتقار مسرح الطفل، على العكس يحسب لإدارة المهرجان السماح له بدخول حلبة التسابق حتى يفتح المجال مستقبلا للإهتمام بهذا النوع من المسرح وبذل جهدا أكبر فى صناعته، لكن بدافع المفاجأة والتفكير لماذا فضلت لجنة التحكيم عرض أطفال على عروض مسرحية أخرى؟!!

الثبات الكلاسيكى

اثبتت لجنة التحكيم بهذا الاختيار توقفها عند تذوق لمستوى معين من العروض، ولم تنحصر المشكلة فى اختيار «سنووايت» كأفضل العروض باعتباره عملا مسرحسيا قدم كما قال الكتاب، أوباعتباره ملتزما بالشكل الكلاسيكي، فمن قراءة ترشيحات اللجنة لبعض العروض التى جاء أغلبها غارقا فى الكلاسيكية مثل «الإلياذة»، ومتوقفا عند مدارس مسرحية قديمة سواء على مستوى التمثيل أو التناول فلم تتحرك هذه العروض من مقعدها منذ سنوات طويلة والمفاجأة أن أغلب هذه الأعمال لقيت استحسانا من التحكيم بدليل ترشيحها لأكثر من جائزة حتى ولو لم تحصل عليها؛ ولهذه الأسباب استبعدت اللجنة أعمال أخرى أكثر حداثة ومعاصرة مثل «السيرة الهلامية» إخراج محمد الصغير، «كوميديا البؤساء» إخراج مروة رضوان، «آنا كارمن» إخراج سما إبراهيم، «مسافر ليل» إخراج محمود فؤاد صدقي؛ فلم يأت ذكر هذه الأعمال من قبل لجنة التحكيم ولو بترشيحا واحدا، باستثناء «مسافر ليل» الذى حصل بطله علاء قوقة على جائزة أفضل ممثل، رغم شهادة كثيرون بجودتها على مستوى الصناعة الفنية بأكثر من عنصر وكأنها لم تشارك ضمن فعاليات هذه الدورة، وعوقب أصحابها بالتجاهل والإحتقار لمجرد الخروج عن القالب المسرحى المعتاد..!

هل يحتفى التجريبى بمسرح الطفل؟!

      على جانب آخر؛ وقعت إدراة مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى فى حرج بعد إعلان جوائز القومي، فلائحة التجريبى تنص على منح الفرصة للفائز الأول والثانى بالعرض ضمن فعالياته، وبالتالى فوز عرض «سنووايت» بالجائزة الكبرى وضعها فى حرج شديد فهل يلتزم المهرجان باللائحة أم يتم تغييرها لعدم توافق شكل العرض فنيا مع فلسفة المهرجان، أكد المخرج عصام السيد المنسق العام.. «أن مجلس الإدارة قرر الالتزام باللائحة وقبول العرضين «سنووايت» إخراج محسن رزق، و«دراما الشحاتين» إخراج محمد الرخ لحين النظر فى هذه المسألة العام القادم»..!؛ بالطبع لابد أن تعيد إدارة المهرجان النظر فى هذا القرار لأن التزام التجريبى بعرض أول وثانى القومى ضمن فعالياته شرطا ليس له معنى، فمفهوم المهرجانيين مختلفين تمام الاختلاف وليس هناك أى تقابل بينهما سواء فاز عرضا للطفل أو فاز غيره؛ ففى كل الأحوال هذا الالتزام يشكل عبئا وتنافرا شديدا مع خصوصية التجريبى.

غياب معايير المنافسة

من ضمن الأزمات التى واجهها القومى هذه الدورة معالجة الظلم بظلم جديد؛ عندما منحت جائزة أفضل تأليف بلا منافس أو منازع للمؤلف محمود جمال عن عرض «سجن اختيارى»، فى العام الماضى وقع على جمال ظلم شديد بتجاهل عرضيه «سينما 30» و«يوم أن قتلوا الغناء» بحجب جائزة التأليف تماما لعدم وجود من يستحقها؛ وفى هذا العام ذهبت له الجائزة دون أن ينازعه أحد، فى حين أنه كان هناك منافسون أبرزهم عيسى جمال الدين بعرض «الساعة الأخيرة» إخراج ناصر عبدالمنعم، والحسن محمد فى «السيرة الهلامية» و»سما إبراهيم فى «آنا كارمن» وهو نفسه بـ«إنهم يعزفون»، وبالتالى غاب هنا معيار المنافسة بسبب وضوح الرغبة فى معالجة الظلم الذى وقع على جمال الدورة الماضية عندما حجبت عنه نفس الجائزة، شارك محمود جمال هذه الدورة بأربعة نصوص مسرحية «سجن اختيارى»، «إنهم يعزفون»، «البؤساء»، «سبارتكوس» ولم يكن «سجن إختيارى» أفضلهم بل كان أقلهم تميزا على الإطلاق.

جوائز المهرجان

حصل على جائزة أفضل عرض ثانى «دراما الشحاتين» إخراج محمد الرخ، كما حصل نفس العرض على جائزة أفضل مخرج صاعد، وأفضل ممثل صاعد لمحمد ناصر، وممثلة صاعدة رنا خطاب، كما حصل أمجد الحجار على جائزة أفضل ممثل دور ثانى عن عرض «سلم نفسك»، وحصل نفس العمل على جائزة أفضل أداء جماعى للمخرج خالد جلال الذى أكد اعتذاره عن تقييم فى جائزة أفضل مخرج بسبب عضويته باللجنة العليا للمهرجان، وحصل عرض «الإلياذة» على جائزة أفضل تأليف موسيقى لوليد الشهاوي، وعرض «سنوووايت» على جائزة أفضل ملابس لمصممتها نعمية عجمى، وحصلت سالى أحمد ومناضل عنتر على جائزة التعبير الحركى عن عرض «قلعة آلموت» كما حصل نفس العمل على جائزتى الإضاءة والديكور للدكتور عمرو عبد الله، وحصل حمدى زيدان على جائزة أفضل نص معد عن رواية فى عرض «لسه بسأل» إخراج محمد مرسي، وحصل على جائزة أفضل ممثل الفنان علاء قوقة عن عرض «مسافر ليل»، وجائزة أفضل ممثلة دور ثانى «سامية عاطف» عن «الساعة الأخيرة».

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *