المكي وزكية’.. تناقضات الحياة التونسية على مسرح باريسي / محمد يوسف

الممثل التونسي لمين النهدي استطاع أن يسترق ضحكات الحضور، سواء عبر حركة جسده أو إيماءات وجهه الخاصة، أو من خلال تنقله بسلاسة ومرونة بين الشخصيات التي يؤديها.

عرضت في قاعة الـ”باتكلان” الباريسية المسرحية التونسية “المكي وزكية” للمؤلف والمخرج المنصف ذويب وفي أداء للممثل لمين النهدي.

والعمل المعاد عرضه، حجز مكانا في ذاكرة الجمهور التونسي منذ منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، إذ تعدّ المسرحية من أبرز أعمال “الوان مان شو” التونسية التي حظيت بجماهيرية كبيرة، ويحمل العرض الأخير رمزية كبيرة، خاصة أنه يقدّم في المسرح الباريسي الذي شهد اعتداءات إرهابية قبل عامين، حيث أنه أول عمل عربي يقدّم في هذه الصالة عقب الاعتداءات الدامية.

وقدّم العمل ضمن إطار “المهرجان التونسي للضحك” في السابع والعشرين من شهر يناير الماضي، وشهدت الصالة حضورا جماهيريا استثنائيا وتفاعلا غير مسبوق مع العمل التونسي الشهير.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا العمل، الذي عرض للمرة الأولى في سنة 1993، أعاد الثنائي المسرحي ذويب والنهدي بعد خلافات طويلة لاستئناف العمل معا، حيث استمر توقف التعاون بينهما لعقدين من الزمن، حتى أن خلافاتهما كانت قد وصلت إلى المحاكم، فكان ذويب قد اتهم شريكه بأنه أخذ فكرة عمله “فلوس الشعب” واستأثر بالنص دون أي ذكر لاسم شريكه، وصرح ذويب قبل عرض مسرحيته في باريس “أعتبر أنّ ما يجمعني بالفنان الكوميدي لمين النهدي أكبر ممّا يفرقنا”، رافضا في هذا السياق، الخوض في الحديث عن المصالحة مع النهدي بعد خصومة وصلت إلى أروقة المحاكم، وأضاف “لن نتحدث عن الماضي وسننظر إلى المستقبل فقط”.

 

المنصف ذويب: أعتبر أن ما يجمعني بالفنان الكوميدي لمين النهدي أكبر مما يفرقنا

ويحكي العرض المسرحي، (عرض وان مان شو) عن تفاصيل الحياة اليومية لنازح تونسي من الريف؛ المكي، الذي يحلم بالزواج والارتباط بفتاة؛ زكية، وهي من أسرة غنية، وهنا تبرز المفارقات الطبقية والثقافية واللغوية، التي من شأنها أن تؤكّد الهوة الكبيرة بين فئات الشعب التونسي، مثله مثل كل الشعوب طبعا، إلاّ أن الخصوصية المحلية في العمل هي أهم المفاتيح في صناعة الكوميديا وتقديمها بطابعها التونسي الأصيل.

وعبر ما يزيد عن الساعة ونصف الساعة استطاع الممثل التونسي أن يسترق ضحكات الحضور في الصالة، سواء عبر حركة جسده أو إيماءات وجهه الخاصة، أو من خلال تنقله بسلاسة ومرونة بين الشخصيات التي يؤديها وعلى اختلاف أعمارها ونبرات صوتها ولهجاتها.

وبأسلوبه الساخر، انتقد النهدي الحياة السياسية التونسية ورجالاتها، خاصة بما تحمله من تناقضات لا تبشر أبدا

بمستقبل أفضل لعموم التونسيين. ويبرع النهدي في تنقلاته وتغيير الفضاءات والأمكنة من خلال “الميزانسين” المدروس والبسيط، والذي يعتمد على حركة الجسد والإيماء فقط، فمن خلال حركة عضلات الوجه أو الجسد يأخذ النهدي جمهوره إلى مكان آخر معلنا بداية مشهد جديد، وربما شخصية جديدة، وهو الذي يغلب على أدائه طابع الفارس.

والجدير بالذكر أن النهدي، الملقب بـ”فنان الشعب”، كان قد بدأ حياته مع فن المسرح بالأساس في فرقة الفنون المسرحية بمدينة “الكاف”، مسقط رأسه، وكان ذلك قبل أن يؤسس فرقة “المغرب العربي” في سبعينات القرن العشرين، وهي الفرقة التي قدمت العديد من المسرحيات الناجحة على غرار “في بلاد الهاوهاو” و”تر فر” و”الكريطة”، بالإضافة إلى مسرحية “الناقوس” ليزيد رصيده عن الـ42 مسرحية، حين نذكر أعماله بالتلفزيون والسينما.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *