المكتبة المسرحية: القصة القرآنية بين الدراما والصورة الفنية/د. يوسف رشيد

 

 

المصدر / المدى/ محمد سامي موقع الخشبة

يزخر بتوافر الدين الإسلامي الحنيف بالعظيم من القيم الكونية ممثلة بأنموذجه القرآن الكريم الذي أحدث عبر التاريخ اكبر انعطافة في مسارات الحياة ويبشر بقيم اجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية بوصفه نظاماً تعاليمياً متكاملاً لصياغة شكل الحياة الانسانية وما ينبغي أن تكون عليه.

ولعل ما جاء في قصص هذا الكتاب العظيم ((القرآن الكريم)) ما يدعوالى التأمل وإعادة الانتاج القرآني لما يتسم به من أعماق تأويلية، ومكامن لصور مكتنزة بالخيال الإلهي أثر والخصوصية الحركية الدائمة الفعل مع ديمومة الحياة البشرية… بحيث شكل دائماً على جميع المستويات والصعد. واليوم ونحن ازاء دراسة في كتاب احتل اهميته العلمية والمعرفية وهو كتاب (القصة القرآنية بين الدراما والصورة الفنية) لمؤلفته الباحثة الدؤوب الدكتورة (ايمان الكبيسي), وهي تستقرئ الممكنات التربوية في ترسيخ مبادئ وقيم القرآن الكريم وقصصه عبر فضاءات المسرح المدرسي وامكانية التعالق عبره بين هذا المسرح وقصص القرآن الكريم, لذا فإن هذا الكتاب يحاول أن يسدد باتجاه المرجعيات الثقافية التي يمكن أن تنظوي عليها الصورة الفنية بما تتوافر عليه من جميل في اطار الجليل القرآني، وبسياحة بحثية محسوبة الخطوات كان رائدها منهج البحث العلمي الذي اتبعته المؤلفة الباحثة في اعداد برنامجها فيما بعد.
وهو بحث في شعرية الصورة الفنية التي يمكن أن تُحدث تأثيراً في متلقيها، فضلاًعما تتوافر عليه الصورة ذاتها من معنى اصلاً يفصل بطبيعته المجازات التي تصل أحياناً حد لامشروطية المعنى والتي تجعل من هذا المقدس لا يقف عند حدود التفسير الظاهري قدر تألقه صوب البنى العميقة التي تفصل بالتأويل وإعادة انتاج الصورة المقروءة لحظوياً.
لذا فقد وجدت الباحثة أن تصوغ فهمها للتصوير الفني في ضوء هذه المعطيات، بحيث يكون وسيلة لها أهداف دينية ووعظية وتربوية ترنو الوصول الى تلك البنى العميقة الكامنة في الصورة الفنية للقصة القرآنية في تأطير قصدي تتمحور فيه التربية الفنية التي تهدف بمساراتها التربوية الى الارتقاء بالعقل والعاطفة لدى المتعلم بوصفه فئة مستهدفة في هذه الدراسة..
حيث تتداخل هذه المهمات بشكل مباشر مع الدراما بوصفها فعلاً.. وهو نبيل بذاته المسرحية التي يمكن أن تحقق للصورة الفنية وجودها الفعّال في هذه المهمة التي تربط فيها الباحثة بين الفعل الدرامي الذي تصوره القصص القرآنية وبين الصورة الفنية التي يبدوعليها هذا الفعل.. لتنتخب ميداناً عملياً معرفياً لذلك هو المسرح المدرسي بوصفه مرشداً ومسرحا تعليمياً ومربياً…
وعليه فالباحثة المؤلفة تؤشر من البداية سمو الخيال النصي في الصورة الفنية للقرآن الكريم وما يتصل بها من شعرية مثيرة للوجدان ومحفزة للنفس على السرور والايمان والتقبل ولعلها احسنت صنعاً عندما بدأت من الخيال بوصفه عنصراً يأخذ الصدارة في خصائص التصوير الفني، لتنتقل منه الى خاصية التناسق الفني الذي يحيل بذاته الى وعي وقراءة في ما يتصل بالاسترسالات الشعرية البلاغية التي انطوى عليها مكون الصورة الفنية، أياً كان نوعها وصولاً الى التأثير النفسي والتفاعل مع هذه الصورة في فضاءات التلقي عبر مسافات جمالية ومساحات من التالق لهذا التكوين. مراعية بذلك سمو النص القرآني عن غيره من النصوص الأدبية ومستثمراً ما يضج به من سمات اسلوبية ولغوية وبلاغية تدعو الى اعمال المخيلة وتحريك فاعلية التأمل في بناء الصورة عبر الفاظها المنسقة في تأليف العبارات وفي ايقاعية موسيقية تضمن تراتبية واتساق الأغراض في تسلسل يضمن الانتقال المنطقي من غرض لآخر.
وتستمر الباحثة المؤلفة في تأطير عنوان الكتاب، بأسس التصوير الفني وتتناول الحركة المتخيلة من الصورة وانواعها وطبيعة الحوار الذي يُفعل حياة الصورة ويثير فيها بالتأمل في دلالات الألفاظ وما تتسم به من سمات توليدية في المعاني يمكن أن ترشح عنها تلك الصور الفنية.. وعلى هذا تختتم المؤلفة فصلها الأول لتخصص فصلاً متفرداً للقصة القرآنية وانواعها ولعلَّ المتحدث عندما كتب عن انموذج البطل في السيرة والتراث والبطل في الصيرورة والمعنى كان هاجسه أن يشكل مقترباً بحثياً بين نماذج وانواع القصص في القرآن الكريم ومقترباتها في الاتجاهات والمذاهب الأدبية، يخرج منه الى تصنيف انواع ادبية، لكن المؤلفة هنا  اجترحت طريقاً آخر في البحث عندما اوجدت تنوعاً خاصاً بها، حيث كانت الأنواع محصورة مابين التاريخية والتمثيلية والتعليمية والنفسية وأفردت في هذا التنوع مجالاً للقصة الاشارية الرمزية وقصة اليوم الآخر.
ولا اريد التوسع في الحديث عن الفصل الثالث الذي شكل الركن المقابل للصورة الفنية في عنوان الكتاب وعليه فقد توسعت تفصيلاً ثرياً في هذا الفصل من البنية الدرامية وعناصرها في الفكرة والحبكة والحوار والشخصية لتختتم هذا الاطار النظري المتماسك البناء (بمقاربة موضوعية بين الدراما والصورة الفنية القرآنية في النص المسرحي المدرسي. والذي كان لي شرف الاطلاع عليه في فترة الاعداد خبيراً معرفياً يستحق كل الثناء والتقدير، حيث وظفت فيه المؤلفة كلما أوردته في فضاءات النظرية للكاتب واستثمارها أفضل استثمار لإنجاز هذا المعمار المعرفي المهم (الكتاب القيم في الثقافة العراقية)
شكراً للباحثة الدكتورة (ايمان الكبيسي) على هذا المنجز وعلى ما توافرنا عليه من سياحة في فضاءاته…

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *