المسرح العربي معزوفة لم تكتمل بعد

أكد نقاد مسرحيون مصريون أن المسرح العربي يعاني بشدة من غياب النصوص المسرحية، وأيضا ندرة كتاب المسرح الذين كانوا يكتبون خصيصا للمسرح مثل: توفيق الحكيم وعزيز أباظة وعبدالرحمن الشرقاوي، وغيرهم حيث كانت النصوص مزدهرة وتنشر ككتب أدبية مسرحية. فالمخرجون يبحثون عن نصوص جيدة أو كتاب مسرحي يعيدون له تألقه وازدهاره من جديد، واختلفت الآراء وتنوعت الأسباب حول طبيعة الأزمة.

كتاب نادرون

يقول المخرج المسرحي عصام السيد “بالفعل تغيب النصوص المسرحية العربية الجيدة، مما جعل معزوفة المسرح العربي المتكامل ناقصة، فالمؤلف المسرحي العربي لا يعرف جمهوره جيدا، وبالتالي ما يكتبه لا يصل إليه. إن الكاتب المسرحي من الضروري أن يكون شديد الحساسية لما يشهده المجتمع من تطوّرات، وأن تكون لديه إرهاصات بالمستقبل واستشعار للأحداث، رغم أن الكاتب المسرحي العربي الذي لديه هذه القدرة أصبح عملة نادرة، النص المسرحي الذي نريده هو نص عربي بالدرجة الأولى يفجر الواقع ويعرض له، بحيث يحمل الخصائص النفسية والسمات المتعلّقة بالشخصية العربية، وليس مجرد مسوخ نراها في بعض الكتابات”.

يعاني المسرح العربي اليوم من تراجع في الإقبال عليه، يرده الكثيرون إلى التطور التكنولوجي والتواصلي وتسارع إيقاع الزمن والأحداث، لكن علاوة على هذه الأسباب يعيد البعض التراجع الذي يشهده المسرح إلى عوامل داخل المسرح ذاته، ولعل أبرزها التراجع الكبير في الكتابة المسرحية، حيث نادرا ما نجد من يكتب للمسرح، بل أصبح المخرجون أنفسهم هم من يقومون بالكتابة التي تأتي أغلبها مقتبسة، ويقومون أيضا بالإخراج، وهو ما أدّى إلى تراجع فني واضح في الأعمال المسرحية.

ويؤكد السيد أن المسرح العربي المتكامل في حاجة إلى توافر العناصر المسرحية كاملة من مؤلف جيد إلى ممثل جيد ومخرج ومصمم جيدين، معتقدا أن هذه معزوفة لم تكتمل بعد، ولا يزال الأمل معلقا في أن تكتمل، موضحا أن المشكلة يبدأ علاجها من معرفتها جيدا، وحتى لا ندور في حلقة مفرغة، فإن مشكلة النص في المسرح العربي هي الأساس الذي تتولّد منه بقية المشاكل.

ويشير الدكتور أحمد إبراهيم، أستاذ الدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية، إلى أن محاولة تقديم نص رصين في المسرح وسط هذا السيل العارم من الإسفاف والابتذال يُعدّ نوعا من البطولة، فقد اتجه بعض كُتّاب المسرح إلى المكاسب المادية وأهملوا مناقشة القضايا السائدة في المجتمع، ولهم وجهة نظر في ذلك، وهي التسلية والترفيه عن الجمهور، والابتعاد عن الأفكار المأساوية أو القضايا المؤلمة التي تسبّب له الحزن والألم، ولذلك يتجه الجمهور إلى هذا النوع من المسرح القائم على الترفيه، وبالطبع يُعتبر ذلك عدم التزام ونوعا من العبث، لأن المسرح التزام، والمسرح يقود الجماهير، والمسرح يضيء الوعي ويغيّر الأفكار، والقضية حقا قضية نص جيد.

ويقول رأفت شرف الدين أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون “علينا أن نعترف أن النصوص المسرحية أصبحت نادرة وإذا ألقينا نظرة على ما يحدث الآن على خشبة المسرح سنجد مهازل كثيرة حيث لا تعتمد الدراما على نص مكتوب لكاتب متخصص أكثر من اعتمادها على الارتجال والخروج عن النص وقدرة الممثل على إضافة ما يضحك الجمهور دون هدف”.

أزمة أبعد من النص

من وجهة نظر الناقدة المسرحية هدى وصفي، إن الأزمة ليست أزمة نصوص، إنما الأزمة تتمثّل في تنفيذ الأعمال المسرحية الجيدة، ومدى ما يتوافر لها من إمكانات سواء على مستوى الرؤية الحقيقية كمعالجة نص ما، أو مستوى المسرح الذي سنقدّم عليه هذه الرؤية، أو مستوى الممثلين الذين بإمكانهم تجسيد هذه الرؤية، فهناك العديد من الفنانين سواء كانوا ممثلين أو مخرجين استطاعوا أن يكونوا أسماء كبيرة ولهم سمعة كبيرة، لأنهم أعادوا صياغة نصوص مسرحية جديدة بتقنيات حديثة، وهناك أيضا الكثير من المبدعين الذين اعتمدوا على مخطوطات مسرحية بسيطة، وبالتدريب وباستخدام التقنيات المميّزة استطاعوا أن يكوّنوا عالما فنيا مميّزا خاصا بهم.

الأزمة ليست أزمة نصوص، إنما الأزمة تتمثّل في تنفيذ الأعمال المسرحية الجيدة، ومدى ما يتوافر لها من إمكانات

ويؤيّد علي جمال الدين، أستاذ الدراما بأكاديمية الفنون، وجهة نظر الناقدة، فيقول “من واقع متابعتي للحركة المسرحية سواء في المعاهد أو في أكاديمية الفنون أو على مسرح القطاعين العام والخاص، فإنني أرى أنه لا توجد أزمة في انعدام النصوص المسرحية الجيدة، فهناك العديد من النصوص المسرحية الجديدة الجيدة التي تحاول أن تخوض تجارب تجريبية جديدة في أكثر من اتجاه، لكني أرى أن المشكلة الحقيقية والتي تعطي إحساسا عاما بوجود أزمة هي غياب القنوات التي يمكن من خلالها توصيل الإبداع المكتوب إلى إبداع مشاهد، أي الخروج من طور القراءة إلى طور ظهور النص المسرحي على خشبة المسرح، إذا كنت تملك علاقات شخصية أو كنت من أهل الوسط، فنصوصك المسرحية ستجد طريقها إلى التمثيل على المسرح. إذن فكثيرا ما نرى المبدعين الحقيقيين موصدة أمامهم الأبواب رغم جودة ما يكتبون، ويتم كل هذا في غياب الصحافة الفنية، وغياب النقد الحقيقي الذي باستطاعته أن يلفت الأنظار إلى وجود خلل”.

في حين يرى وليد إسماعيل أستاذ النقد الأدبي بأكاديمية الفنون، أن أزمة النص المسرحي ليست مرتبطة بالمؤلف فقط، فهي مرتبطة بالمخرج أيضا ومرتبطة بالمتلقي أو الجمهور، فالمخرج الجيد هو الذي يفهم ويعي قيمة النص المسرحي، كذلك فإن الجمهور يؤثّر على اختيار المخرج للنص وطريقة معالجته، إن ما يوجد الآن في المسرح ليس مسرحا، لكنه أقرب إلى الملهى الليلي.

ويضيف إسماعيل “إذا عدنا إلى النص المسرحي الذي يبدعه المؤلف، نجد أن المؤلف قد أثّرت عليه المتغيّرات والأحداث المتلاحقة من حوله سواء كانت أحداثا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، فهذه الأحداث تحتاج إلى تأمل لاستيعابها والتعبير عنها. وفي رأيي قد يكون الانفتاح على التجارب المسرحية العالمية والكتابات المسرحية العالمية طريقا للخروج من هذه الأزمة، بحيث تساير تلك التجارب مجتمعاتنا العربية”.

ويؤكد إسماعيل أن ثقافة الجمهور ذاته متدهورة، فليس لدينا جمهور مسرحي على وعي كامل بقضايا وطنه، فنحن نجد أن هذا الجمهور يقبل على الأعمال الهابطة التي ليس لها هدف سوى إثارة الضحك ووضع إمكانيات الممثل في خدمة الجمهور، لذلك علينا الاهتمام بالمسرح المدرسي والجامعي وتثقيف الطلاب في المدارس حول معنى المسرح وثقافة المسرح. نحن في حاجة إلى جمهور أكثر ثقافة ووعيا وارتباطا بقضايا وطنه وأمته، وليس الجمهور الذي لا يملك الرؤية أو الوعي.

https://alarab.co.uk/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *