التجريدية الدلالية في العرض المسرحي “خريف”

التجريدية الدلالية في العرض المسرحي “خريف”

 

بقلم/ هايل المذابي

 

=====

 

مسرحية خريف الفائزة بأفضل عرض مسرحي للعام 2017 بمهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح كانت من إخراج المبدعة أسماء الهواري و كتبتها بدمها أختها الأديبة والكاتبة المسرحية فاطمة الهواري رحمها الله والتي لم تزد على قصتها مع المرض الذي سلبها روحها شيئا سوى ما أضافته المخرجة أسماء أثناء عرض المسرحية لتقدم عرضا ساحرا ويولد على يديها الإبن الشرعي لفاطمة فيولد حاملا همها ومنتصرا لها و مخلدا لسيرتها..

التزمت أسماء في إخراجها لمسرحية خريف مبدأ التجريد من خلال الحركة والإيماءة والسينوغرافيا والموسيقى فكان كل شيء من حركة ولون وضوء له دلالته لتؤكد أسماء بذلك أن الحوار لوحده لا يصنع عرضا مسرحيا ناجحا مهما بلغ فصاحة و بلاغة ومهما أثث له الكاتب على الورق وأن العرض المسرحي هو جسد يتحدث وروح يراها المتلقي في الديكور والملابس والأضواء والحركات والإيماءات و الحوار.

 

حين يصبح كل شيء في العرض الفني له دلالته ولايوجد حشو أو عبث يتحول ذهن المتلقي إلى مختبر كبير للتحليل أو مشغلاً لتحميض الأفلام تضيئه أنوار حمراء خافته وبه الكثير من علب مواد التحميض و تكون رؤية المخرج بهذا الشكل أيضاً قد حققت نظرية العدسة السينمائية التي تعتمد التجريد في الحركات والأشياء وحتى الزوايا التي تلتقط منها مشاهدها و يصبح ما تظهره في الفيلم السينمائي له علاقة بمسار القصة وجوهر مضمونها و ما سوف يحدث تالياً..

 

وأما قصة المسرحية فهي قصة الوصمة التي يعيشها من يعرف المرض في المجتمعات العربية حين ينبذه المجتمع لأنه مريض فيظهر بمظهر المثير للشفقة المستبعد من العادات والتقاليد الإجتماعية كالزواج مثلا و حين يكون هذا المريض امرأة فإن الأجدر بها أن تموت حتى لا يقتلها المجتمع حين تسمع تفاهاته حول مرضها من النساء أولا و حتى لا تشعر بأنها أصبحت عالة ليس لها قيمة في أسرتها و مع كل نظرة أو همسة مقصودة أو غير مقصودة من أقاربها ستتمنى لو أن السماء ترحمها بالموت أو ترحمها الأرض و تبتلعها بمعنى أن حسها يرهف إلى درجة مؤلمة لها..
ماذا ستفعل المرأة التي تنال كل هذا الألم من زوجها الذي اختارته عن قناعة واثقة في رجولته التي ستحميها و تحتويها في السراء والضراء ليكون هو أول من يتخلى عنها و يخذلها حينما يعرف أنها مصابة بالسرطان فيتصرف كما لو أنها قد خانته مع رجل آخر ثم يهجرها مخلفا ورائه جحيمان يعذبانها الأول مرضها و الثاني فعله القبيح..
هذه قصة فاطمة التي كتبتها و هي تغلي كمرجل فوق جحيم من الجمر لن يشفع له لدى قلبها سوى الموت كعقاب لما اقترفته حين اختارت ذلك الزوج ثم اكتشفت أنها أخفقت في اختيارها وهذا لوحده أعظم بكثير ألما وجرحا من السرطان الذي أصيبت به..
الخذلان و المرض جعلا من فاطمة كومة من الدخان وعمّقا لديها الوحشة والشعور بالوحدة فكان هذا موت أيضا وفقا لنظرية وحدة القبر ووحشته..

 

* اسم المسرحية..

 

الدلالات في اسم المسرحية “خريف” مفتوحة و تحمل على وجوه كثيرة و هي سهلة كون الجميع يعرف أنه فصل من فصول الطبيعة و هو ممتنع أيضا حين نجد في القصة كل تلك الدلالات المفتوحة..

 

إن خريف هي قصيدة الكشف والبلوغ التي يكتبها الكهنة في بعض الديانات اليابانية عندما يشعرون بدنو آجالهم و فاطمة قد جلست جلسة اللوتس منتصبة و رسمت دائرة ترمز إلى سمو رؤيتها و بلوغ الحقيقة الكبرى “الموت” و لأن من العيب التصريح بالموت استعارت فاطمة له بلفظة خريف كما يفعل الكهنة فيستخدمون في قصائدهم استعارات تعبر عنه كتساقط أوراق الكرز أو غروب الشمس، نعم إنه خريف لكنه خريف القيم الإنسانية و ميلادا آخرا كتب لفاطمة النوم بضوء و سلام و جعلها من الخالدين..

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *