إحياء قيم الحب والتعايش فى «قطط» متروبول / هند سلامة

نشر / محمد سامي موقع الخشبة

خطوة مهمة وجريئة اتخذها مسرح الدولة مؤخرًا تجاه مسرح الطفل حيث انتج المسرح القومى للطفل خلال الفترة الماضية أكثر من عرض مسرحى أهمهم كان عرض «سنووايت» للمخرج محسن رزق وبطولة مروة عبدالمنعم ويعتبر من أنجح العروض التى انتجها البيت الفنى خلال العام الماضي؛ تجربة مهمة ومتميزة تحسب للمخرج وأبطال العرض من حيث الاهتمام بالعمل شكلًا ومضمونًا اهتم المخرج بدقة شديدة بصناعة عناصر الإبهار بالمكياج والملابس والديكور؛ وشهد العرض نجاحًا جماهيريًا كبيرًا ويعد من أهم التجارب المسرحية التى قدمت بهذا المجال بما يتناسب مع مستوى خيال الأطفال هذه الفترة.

معايير التقدير والأهمية
لم تكتف الدولة فقط بالإنتاج لمسرح الطفل بينما بدأت تحسس خطاها نحو الاعتراف بمدى أهمية هذا النوع من المسرح، وجاء ذلك بقرار لجنة اختيار العروض بالمهرجان القومى للمسرح بمشاركة عرض «سنووايت» ضمن فعاليات المسابقة الرسمية للمهرجان القومي؛ وهو ما يعكس حالة من التقدير والأهمية لم يشهدها مسرح الطفل منذ سنوات مضت بل كان دائما يعانى الاستبعاد والتهميش، وبالتالى فتح المهرجان المجال للاهتمام الشديد بصناعة هذا النوع من المسرح فحتى العام الماضى كان يتم تجاهل عروض مسرح الطفل باعتبارها أعمال مسرحية بسيطة الشكل وفقيرة المضمون؛ وبناء على ذلك قد تتبارى عروض مسرح الطفل فى تقديم أعمال مسرحية راقية للتنافس على دخول المهرجان القومى للمسرح فى دورات مقبلة وهو ما يعد مكسبًا كبيرًا للحركة المسرحية، خاصة بعد نجاح فريق عمل «سنووايت» فى ترسيخ مدى أهمية هذا النوع من المسرح؛ كما يكرر المخرج محسن رزق التجربة مع نفس فريق العمل بعرض «آليس فى بلاد العجائب» على خشبة مسرح البالون.
مسرحية «القطط» على مسرح متروبول
كما ذكرنا بعد نجاح تجربة رزق فتحت الطريق والخيال للمخرجين والمؤلفين لإبداع عروض مسرحية مختلفة خارج إطار الكليشهات الفنية التى اعتدنا عليها بعروض الأطفال؛ وأنتج مسرح الطفل مؤخرًا عرض «القطط»، وتدور أحداثه حول مدينة متخيلة قرر رئيس مجلس إدراتها مع مجموعة من اتباعه طرد القطط من المدينة تماما لإصابتها بمرض خطير؛ ترفض هذه الشائعة مجموعة أخرى من العاملات بالمدينة وتدخل معه فى حالة من الحرب والتحدى كى تحتفظ بالقطط وتعيدها إلى المدينة من جديد بعد معركة طويلة معه ومع اتباعه؛ قصة مسرحية بسيطة قدمها ابطال العمل لترسيخ فكرة الحب والاحتواء حتى ولو كان لكائنات أخرى خلقها الله على وجه الأرض فليس لنا سوى قبولها والتعايش معها.
البساطة والرسائل المباشرة
بالطبع من ضمن أهداف ومميزات مسرح الطفل البساطة والرسالة التعليمية المباشرة وهنا كانت رسالة التعايش التى لخصها المؤلف فى ضرورة حب واحتواء الآخر حتى ولو كانوا مجرد حيوانات صغيرة بجانب فتح شهية الأطفال على حب الحيوانات الأليفة والتعامل معها دون خوف أو تراجع؛ يحسب لصناع العمل اختيار الموضوع لطرحه على مجموعة من الأطفال فى وقت نحن فى أمس الحاجة لترسيخ والتشديد على فكرة التعايش وقبول الآخر؛ بجانب الدقة فى اختيار ممثلين محبوبين خفيفى الظل استطاعوا بمهارة الاندماج مع الأطفال.
«القطط» ومسرح الحقيقي
ربما لا يحتاج هذا النوع من المسرح إلى مبالغة فى التمثيل أو معايشة الدور نظرًا لبساطة الموضوع وبساطة جمهوره الذى قد لا يهتم كثيرًا بالتفكير والنقد والتحليل بل هم مجموعة من الأطفال أرادت اللعب والانطلاق أكثر من مشاهدة أعمال متحذلقة ومن هنا يأتى ذكاء الممثل فى لعب الشخصيات بشكل حقيقى أو بمعنى آخر بتجرد الممثلين جميعًا من فكرة تقديم عمل تمثيلى واعتمادهم على شخصياتهم الحقيقية فكانوا جميعًا أكثر انطلاقًا وتلقائية فى أداء أدوراهم بل انشغلوا بالتفاعل مع الأطفال بصالة العرض دون ملل أو تأفف حتى الدقيقة الأخيرة؛ وسادت حالة من التوحد بين الصالة وأبطال العمل وكأن الأطفال جزء من الأحداث فهم يعلنون رفضهم لقرار رئيس هذه المدينة بطرد القطط ثم يعلنون تأييدهم للمرأة التى خاضت معركة طويلة ضد القطط، وهكذا طوال العرض صنع الممثلون بذكاء وحرفية شديدة حالة من الصدق والاندماج مع الحاضرين وكأنهم يلهون مع هؤلاء الأطفال ولا يقدمون تمثيلية مسرحية بل تجردوا وارتدوا إلى حقيقتهم جميعًا فى حالة فنية خاصة جدًا.
عودة ميرنا وليد
شهد هذا العمل عودة الفنانة ميرنا وليد للساحة الفنية من جديد بعد غيابها لسنوات طويلة وربما اختارت ميرنا العودة بمسرحية للأطفال بعد النجاح الذى شهده عرض مروة عبد المنعم؛ وكما ذكرنا قدمت ميرنا دورها ببساطة وتلقائية شديدة وانشغلت مع الفنان جلال عثمان وباقى مجموعة العمل بجذب انتباه الأطفال والتفاعل معهم طوال العرض؛ لكن ربما يؤخذ على العمل عدم اهتمامه بعناصر الإبهار بشكل كبير فيما يخص الديكور والإضاءة والأزياء والتى تشكل عادة جزء أساسى وأصيل من نجاح هذه النوعية من العروض حيث إن خيال الطفل قد تداعبه صناعة صورة مسرحية مبهرة وجيدة أكثر من الكلام المنطوق؛ فلم يكن الديكور بهذا الحجم من الإبهار وكذلك الأزياء والاستعراضات كانت أضعف من المتوقع فى بعض الأحيان فلم ينج من هذا الضعف سوى مشاهد القطط فى الصحراء وملابسهم فقط؛ لكن فى المقابل يعتبر «القطط» من بين العروض المميزة التى قدمها مؤخرًا المسرح القومى للطفل وحقق العرض أعلى معدل إيردات بالبيت الفنى للمسرح، وهو مؤشر مهم وقوى على ضرورة أن تهتم الدولة وتمنح ميزانيات أكبر وأضخم لصناعة مسرح حقيقى للأطفال والذى يشكل أعلى نسبة إقبال جماهيرى للكبار والصغار معا طوال الفترة الماضية؛ شارك فى بطولة العرض ميرنا وليد، سيد جبر، محمود حسن، جلال عثمان ، وائل إبراهيم، وسام أسامة ديكور وملابس فادى فوكيه، ألحان صلاح الشرنوبي، توزيع موسيقى محمد الشرنوبى وأحمد عبد العزيز، إستعراضات مصطفى حجاج، مادة فيلمية محمد الجباس، تأليف وأغانى صفوت زينهم وإخراج صفوت صبحى.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *