أثر جناح الفراشة في مسرح مابعد الحداثة / فاتن حسين ناجي

المصدر / المدى / نشر محمد سامي موقع الخشبة

من شأن الأشياء الصغيرة أن تولِد نتائج كبيرة ذات رقعة متسعة أكبر من تلك الرقعة التي نشأت منها , ولعل أثر جناح الفراشة جاء كتسمية من تلك الحالة الطقسية التي يتحرك بها جناح الفراشة لتنذر عن قدوم إعصار هو أداة تشبيه واستعارة نقلت الى الأدب والفن بدلالتها العامة ففي الأدب كان تأثيره وتمثله الأكبر في الحدث والكلمة والفعل فالمدى الهائل يظهر عبر الانتقال من الصورة التفصيلية الى المشهد الأكبر والتعقيد له الأثر الأكبر في تكاملية الأحداث وإن اللامتوقع والفجاءة والذهول تشكل بدورها جزءاً جوهرياً من المعقول الفني لكل جمال وبذلك اتسمت صفة اللامتوقع في أثر جناح الفراشة أهمية كبيرة في تكوين قراءة جديدة انطلاقاً من تجاور صور التناقض والاختلاف بين المتوافر واللامتوقع وكسر أفق التوقع وتكوين أحداث كبيرة نشأت وتكونت إثر أشياء صغيرة جداً أو حتى قد تكون كلمة واحدة أو جملة يخلق على أثرها حدث مسرحي متكامل حيث إن هذه النظرية تمتد الى الظواهر الاجتماعية فلا تقتصر على التأثير المادي المجرد على الظواهر الطبيعية أو الكونية بل تمتد للحياة العادية للإنسان ويمكن تقصير فكرة تأشير الفراشة من أغنية اميركية قديمة تقول :- بسبب مسمار طارت حدوة الحصان ..وبسبب الحدوة سقط الحصان ..وبسبب الحصان قتل الفارس ..وبسبب الفارس هزمنا في المعركة وبسبب المعركة ضاعت المملكة .
فأثر جناح الفراشة هو سبب ونتيجة وهي بداية ونهاية ومنها كان السبب ضئيلاً فالنهايات غير متوقعة هذه هي نظرية أثر الفراشة سواء في العلم أو الأدب أو حتى في حياتنا العامة . وفي الفن بصورة خاصة فأن مجموع تراكمات السبب تؤدي الى شمولية في الشكل النهائي حيث إن الأسباب نتائج وهذه هي الترابطية في أن العمل الفني هو كل شامل مترابط وهو شكل تلقائي إضافة الى كونه عملية تراكمية. وإن اللامتوقع والفجاءة والذهول تشكل بدورها جزءاً جوهرياً من المعقول الفني أو بعبارة أخرى الفاعل الضروري لكل جمال” وبذلك اتسمت صفة اللامعقول في عنصر التواصل أهمية كبيرة في تكوين قراءة جديدة انطلاقاً من تجاور صور التناقض والاختلاف بين المتوافر واللامتوقع حصوله من حيث تشكيله لعدة صور جمالية وازاحتها والانفتاح نحو خطاب جديد ومغاير من حيث الإدراك والفهم وقدرة الاستنباط للوصول الى القدرة على إعادة انتاج النص الأدبي لدى القارئ بحثاً عن القيمة الجمالية للنص وهذا تجسد في مسرح مابعد الحداثة ، إذ أن اللامتوقع يشكل لذة التقبل لدى المتلقي وهي لذة تقوده الى ملازمة النص أو العرض ومعاينة ومعادلة استنباطه بشكل مغاير ومؤثر في تكوينية البحث عن ماهو مختلف عن الواقع والخروج بشيء أكبر من ذلك الذي انطلقت منه شرارة الحدث الاولى او لربما تقام المسرحية بأكملها على حدث ضئيل واحد من شأنه أن يخلق عدة ردورد أفعال متنافرة مختلفة وتلك الردود هي أثر الفراشة الذي سيخلق حالة من النقاش الجدلي المثمر الذي يراد من ورائه خلق حالة جدل تحرك الفكر لدى الفرد والأثر الأكبر في مسرح مابعد الحداثة هي تلك الغرائبية في الطرح بعيداً عن الالتزام بالترتيب والقواعد وإن عملية التناقض في الطرح هي البذرة الاولى التي يخلق وفقها التكوين النهائي للباعث الأساس لدى المخرج أو الكاتب على حد سواء . لاسيما وإن قواعد النظرية تكمن في تأكيد التوازن الذي يجذب معه جمالية التعدد والكولاج للخروج بصورة لامتوقعة وهي الهدف الذي يسعى له فنان مابعد الحداثة في خلق الصدفة اللامتوقعة ورفض الحتمية والتأكيد على عنصر عدم الاستقرار والثبات والطرح الصغير الذي يبدأ كشرارة تندلع وفقها الحرائق.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *