أبو خليل القباني  أول ممثل إيمائي عربي في القرن ( التاسع عشر ) ( رائدا للتمثيل الايمائي الصامت ) د. أحمد محمد عبد الامير

 

 

أبو خليل القباني

 أول ممثل إيمائي عربي في القرن ( التاسع عشر )

( رائدا للتمثيل الايمائي الصامت )

 

 

 

د. أحمد محمد عبد الامير

 

 

 

باحث وفنان إيمائي

 

العراق / بابل

من المهم أن نعلم ان الرائد المسرحي العربي السوري ( أحمد أبو خليل بن محمد بن حسين آقبيق ، المعروف احمد أبو خليل القباني 1833-1902 )  قد اهتم بالتمثيل الإيمائي الصامت في منتصف القن التاسع عشر ( رائد التمثيل الصامت )، اذ اعتاد أن يؤدى بنجاح المشاهد الصامتة التي كان يقدمها في بداية المسرحية أو ختامها ، فكان بذلك أول من قدم التمثيل الصامت أمام الجمهور المصري والعربي . علم ( القباني ) العرب ( السوريين ، والمصريين ) طبيعة هذا الفن الادائي الايقاعي الجسدي ، وقدّمه خارج العملية الدرامية ، أي قد خصه بفصول بعد العرض ، وهذا ما نقلته ( جريدة الأهرام القاهرية ) عندما قالت: كان القباني يتبع برواياته فصول مضحكة كفصل ( الصيدلية ) وفصول أخرى من ( التمثيل الايمائي الصامت ) وقالت أيضاً: واستمر في التمثيل على هذا المسرح ، وكان معه أثناء ذلك شاب يدعى ( أبو الخير ) كان يؤدي فصول التمثيل الإيمائي الصامت عقب انتهاء المسرحية . وكما كان هو أول من استخدم الرقص كأحد وسائل التعبير المختلفة داخل العرض المسرحي ، وقد ابتكر رقصات فنية ايقاعية مثل ( رقص إيقاع المحجر ، رقص إيقاع المخمس ، رقص إيقاع المدوَّر ). وهى جميعها من نوع الرقص الإيقاعي الذى يؤديه الراقصون على إيقاعات متنوعة ( رجال ، ونساء )، تتخلل مع الاغاني الدرامية المشاهد المسرحية، وكانت هذه الاشكال الادائية المختلفة عنصراً من عناصر الجذب والامتاع وتشكل خصيصة ادائية للمسرح العربي الذي قدمه القباني للمسرح العربي بعيدا عن صورة المسرح الغربي الذي قرأ عنه في اللغة التركية . ويذكر ان ( أحمد القباني ) قد ادخل الى مصر لأول مرة في عام (1884م) الرقص الصوفي والمعروفة برقص ( السماح )، وهو رقص مسموح به دينياً في حينها ، لأنه عبارة عن رقص صوفي ديني منتشر في البلاد الشامية في ذلك الوقت ، ويعود الفضل إليه في إدخاله إلى مصر في تلك الفترة .

الاستعانة ( بالتمثيل الايمائي الصامت ، والرقص الايقاعي ، والغناء )، يدل على معرفته بفنونها واشتراطاتها وضرورتها واهميتها الفنية والجمالية والادائية على المتلقي العربي ، اضافة الى امتلاكه خيالاً وثقافة فنية وجمالية واسعة ، له علاقة وثيقة باكتمال عناصر المسرح الحركية والايمائية والغنائية والايقاعية لديه ، ساعده ذلك على أن يكون أسبق من أضاف التمثيل الايمائي الصامت والرقص الايقاعي والغنائي إلى عناصر التمثيل في المسرح العربي في النصف الثاني من القن التاسع عشر .

( القباني ) مؤديا ايمائيا وراقصا ، لا بد انه امتلك مهارة في التعبير الحركي الايمائي ورشاقة وخفة ومرونة جسدية ، بالتأكيد لم يكن القباني السباق والاول في تاريخ المسرح الايمائي العربي ( اداء واخراجا ) للمشاهد الايمائية الصامتة ، اذ سبقه الفنان الارتجالي والمؤدي الايمائي اسمه ( أشعب )، مشيرا في ذلك الى كتاب ( الأغاني ) ، ممثل مرتجل ومضحك له جمهوره الذي يقبل عليه ويستطيبه . لهذا الممثل السمج ( فن السماجة الكوميدي ) منافسوه يحاولون التفوق عليه وسرقة فنه ، ويدخل في تحديات مباشرة وكأنهما في مباراة ، فيتفوّق أمام جمهوره ، تفوقاً ساحقاً في التمثيل الصامت . مؤدو فن السماجة – بتشديد الميم – يحاكون ( ايمائيا ، وصوتيا ) حركات الناس وافعالهم في مظاهر مضحكة ، وكان الخليفة العباسي ( المتوكل ) اكثر شغفا بهذا الفن واهله وانشاء له مسرحا خاصا في قصره ، صنع مقصورة يرى منها العرض عن بعد الممثلون فيه المؤدون السمجون والخليفة المتفرج الوحيد له ، كما كان يستدعيهم في كل مناسباته الاجتماعية للعب امامه ([1]).

عرف عن ( القباني ) انه فنان شامل ، يؤلف وينظم ويلحن ويشرف على تهيئة المناظر ويمثل الادوار الرئيسة لأعماله الحوارية والايمائية الصامتة ، بالإضافة إلى انواع الفرجة مثل فصول مضحكة على طريقة ( المونودراما ) ولعب السيف والترس والتمثيل الصامت والوصلات الغنائية . وقد مزج القباني بين الشعر والنثر ، واستخدم نظام الموشحات في الأدوار الغنائية ، إذ اعتمد على الغناء والتلحين والحركة والرقص بأنواعه ليحقق المتعة والفائدة . اضافة الى ولعه بالتراث العربي ( الأدبي ، والشعبي ) ، وظهر ذلك في مسرحية ( ناكر الجميل ، قوت القلوب ، هارون الرشيد .. الخ) التي استلهم افكارها من قصص ( عنترة ، وألف ليلة وليلة ) ليقدم فيها الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي والوعظي ، اضافة الى المسرحيات الدينية التاريخية 🙁 يوسف الصديق ، وهارون الرشيد ، والخل الوفي )، التي تقدم في شهر رمضان من كل عام .

الممثل والأداء التمثيلـي كان ركيزة في العملية التمثيلية لدى ( أحمد أبو خليل القباني ) من حيث التدريب والتعبير الحركي الجسدي ومن جانب والفظي للكلمة المنطوقة من جانب آخر وعرف عنه إجادته العربية الفصحى وتمكنه من قواعد النحو والصرف كان لها الأثر في تقانة وحرفة أداء الممثل في مسرحه ، فكان نموذجاً للمخرج والمدرب والمصمم الحركي الايمائي للمشاهد ( الايمائية ، والراقصة ) المهتم باللغة العربية الفصحى في عروضه كأن يدرب الممثل على أداء المشهد المسرحي بلغة ايمائية وعربية سليمة ، فكانت عروضه اشبه بدرس في المسرح والتمثيل ، وتكاملت لديه شروط المسرح المتكامل والناجح في عصره من حيث ادارة الفرقة واستخدام ( الكلمة ، والموسيقى ، والتمثيل الايمائي الصامت ، والرقص بأنواعه ، والغناء ، والديكور ، والاضاءة ) بأسلوب علمي وفني وجمالي .

مهد مشروع ( القباني ) الكبير للدخول الى بوابة القرن العشرين للولوج الى هذا الفن الاصم وتقبله من قبل المتلقي العربي واستقبال الجديد الوافد من الثقافة الغربي وبقوة مع اشكاله الادائية الايمائية المختلفة ( البانتومايم ، والمايم بأنواعه ) يتلقفه شبيبة البلاد ويفتحون باب الصمت عن هذا الفن الادائي عبر زيارات المتكررة للفنانين الايمائيين الاوربيين لها أو الابتعاث للدراسة هناك.

المصادر الرئيسة :

  1. فيليب سادجروف : المسرح المصري في القرن التاسع عشر ( ١٧٩٩ – ١٨٨٢ م) ترجمة : أمين العيوطي ، تقديم وتعليق: سيد علي إسماعيل ،( القاهرة : المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية ، 2007 ) .
  2. علي الراعي : المسرح في الوطن العربي ، سلسلة عالم المعرفة ( الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون ، سلسلة عالم المعرف ، 1980 ) .
  3. سيد علي : مسرح رمضان في القرن التاسع عشر ( مجلة تراث الإماراتية ) عدد (143) ،أغسطس 2011 .
  4. حورية محمد حمو : تأصيل المسرح العربي بين التنظير والتطبيق في سوريا ومصر ، ( دمشق : منشورات اتحاد الكتاب العرب ، 1999 ) .

([1]) علي الراعي : المسرح في الوطن العربي ، سلسلة عالم المعرفة ، ص13 –  15 .

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *